وَيَحْمِيهِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ يَسْتَعْطِفُهُ، وَيُعَرِّفُهُ أَنَّهُ مَا جَاءَ إِلَى دِمَشْقَ إِلَّا طَاعَةً لَهُ، وَمُوَافَقَةً لِأَغْرَاضِهِ، وَالِاتِّفَاقَ مَعَهُ عَلَى مَنْعِ الْفِرِنْجِ عَنِ الْبِلَادِ، فَأَعَادَ الْكَامِلُ الْجَوَابَ يَقُولُ: إِنَّنِي مَا جِئْتُ إِلَى هَذِهِ الْبِلَادِ إِلَّا بِسَبَبِ الْفِرِنْجِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبِلَادِ مَنْ يَمْنَعُهُمْ عَمَّا يُرِيدُونَهُ، وَقَدْ عَمَرُوا صَيْدَا، وَبَعْضَ قَيْسَارِيَّةَ، وَلَمْ يُمْنَعُوا، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ عَمَّنَا السُّلْطَانَ صَلَاحَ الدِّينِ فَتَحَ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ، فَصَارَ لَنَا بِذَلِكَ الذِّكْرُ الْجَمِيلُ عَلَى تَقَضِّي الْأَعْصَارِ وَمَمَرِّ الْأَيَّامِ، فَإِنْ أَخَذَهُ الْفِرِنْجُ، حَصَلَ لَنَا مِنْ سُوءِ الذِّكْرِ وَقُبْحِ الْأُحْدُوثَةِ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ الذِّكْرَ الْجَمِيلَ الَّذِي ادَّخَرَهُ عَمُّنَا، وَأَيُّ وَجْهٍ يَبْقَى لَنَا عِنْدَ النَّاسِ وَعِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى؟ .
ثُمَّ إِنَّهُمْ مَا يَقْنَعُونَ حِينَئِذٍ بِمَا أَخَذُوهُ، وَيَتَعَدَّوْنَ إِلَى غَيْرِهِ، وَحَيْثُ قَدْ حَضَرْتَ أَنْتَ فَأَنَا أَعُودُ إِلَى مِصْرَ، وَاحْفَظْ أَنْتَ الْبِلَادَ، وَلَسْتُ بِالَّذِي يُقَالُ عَنِّي إِنِّي قَاتَلْتُ أَخِي، وَحَصَرْتُهُ، حَاشَا لِلَّهِ تَعَالَى.
وَتَأَخَّرَ عَنْ نَابُلُسَ نَحْوَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَنَزَلَ تَلَّ الْعُجُولِ، فَخَافَ الْأَشْرَفُ وَالنَّاسُ قَاطِبَةً بِالشَّامِ، وَعَلِمُوا أَنَّهُ إِنْ عَادَ، اسْتَوْلَى الْفِرِنْجُ عَلَى الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُجَاوِرُهُ، لَا مَانِعَ دُونَهُ، فَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ، وَسَارَ الْأَشْرَفُ بِنَفْسِهِ إِلَى الْكَامِلِ أَخِيهِ، فَحَضَرَ عِنْدَهُ، وَكَانَ وُصُولُهُ لَيْلَةَ عِيدِ الْأَضْحَى، وَمَنَعَهُ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى مِصْرَ، فَأَقَامَا بِمَكَانِهِمَا.
ذِكْرُ نَهْبِ جَلَالِ الدِّينِ بِلَادَ أَرْمِينِيَّةَ.
فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَصَلَ جَلَالُ الدِّينِ خُوَارَزْمَ شَاهْ إِلَى بِلَادِ خِلَاطَ، وَتَعَدَّى خِلَاطَ إِلَى صَحْرَاءِ مُوشَ وَجَبَلِ جُورٍ، وَنَهَبَ الْجَمِيعَ، وَسَبَى الْحَرِيمَ، وَاسْتَرَقَّ الْأَوْلَادَ، وَقَتَلَ الرِّجَالَ، وَخَرَّبَ الْقُرَى، وَعَادَ إِلَى بِلَادِهِ.
وَلَمَّا وَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى الْبِلَادِ الْجَزْرِيَّةِ: حَرَّانَ، وَسَرُوجَ، وَغَيْرِهِمَا، أَنَّهُ قَدْ جَازَ خِلَاطَ إِلَى جُورٍ، وَأَنَّهُ قَدْ قَرُبَ مِنْهُمْ، خَافَ أَهْلُ الْبِلَادِ أَنْ يَجِيءَ إِلَيْهِمْ ; لِأَنَّ الزَّمَانَ كَانَ شِتَاءً، وَظَنُّوا أَنَّهُ يَقْصِدُ الْجَزِيرَةَ لِيُشَتِّيَ بِهَا، لِأَنَّ الْبَرْدَ بِهَا لَيْسَ بِالشَّدِيدِ، وَعَزَمُوا عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ بِلَادِهِمْ إِلَى الشَّامِ، وَوَصَلَ بَعْضُ أَهْلِ سَرُوجَ إِلَى مَنْبِجَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَأَتَاهُمُ الْخَبَرُ أَنَّهُ قَدْ نَهَبَ الْبِلَادَ وَعَادَ، فَأَقَامُوا، وَكَانَ سَبَبُ عَوْدِهِ أَنَّ الثَّلْجَ سَقَطَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute