وَكَانَ مَعَ عَلَاءِ الدِّينِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، قِيلَ: كَانُوا عِشْرِينَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَكَانَ مَعَ الْأَشْرَفِ نَحْوُ خَمْسَةِ آلَافِ فَارِسٍ، إِلَّا أَنَّهُمْ مِنَ الْعَسَاكِرِ الْجَيِّدَةِ الشُّجْعَانِ، لَهُمُ السِّلَاحُ الْكَثِيرُ، وَالدَّوَابُّ الْفَارِهَةُ مِنَ الْعَرَبِيَّاتِ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ قَدْ جَرَّبَ الْحَرْبَ. وَكَانَ الْمُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ أَمِيرٌ مِنْ أُمَرَاءِ عَسَاكِرَ حَلَبَ يُقَالُ لَهُ عِزُّ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، وَهُوَ مِنَ الْأَكْرَادِ الْهَكَّارِيَّةِ، وَمِنَ الشَّجَاعَةِ فِي الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا، وَلَهُ الْأَوْصَافُ الْجَمِيلَةُ وَالْأَخْلَاقُ الْكَرِيمَةُ.
فَلَمَّا الْتَقَوْا، بُهِتَ جَلَالُ الدِّينِ لَمَّا رَأَى مِنْ كَثْرَةِ الْعَسَاكِرِ، وَلَا سِيَّمَا لَمَّا رَأَى عَسْكَرَ الشَّامِ، فَإِنَّهُ شَاهَدَ مِنْ تَجَمُّلِهِمْ، وَسِلَاحِهِمْ، وَدَوَابِّهِمْ مَا مَلَأَ صَدْرَهُ رُعْبًا، فَأَنْشَبَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَلِيٍّ الْقِتَالَ، وَمَعَهُ عَسْكَرُ حَلَبَ، فَلَمْ يَقُمْ لَهُمْ جَلَالُ الدِّينِ وَلَا صَبَرَ، وَمَضَى مُنْهَزِمًا هُوَ وَعَسْكَرُهُ، وَتَمَزَّقُوا لَا يَلْوِي الْأَخُ عَلَى أَخِيهِ، وَعَادُوا إِلَى خِلَاطَ فَاسْتَصْحَبُوا مَعَهُمْ مَنْ فِيهَا مِنْ أَصْحَابِهِمْ، وَعَادُوا إِلَى أَذْرَبِيجَانَ فَنَزَلُوا عِنْدَ مَدِينَةِ خُوَيٍّ، وَلَمْ يَكُونُوا قَدِ اسْتَوْلَوْا عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ خِلَاطَ سِوَى خِلَاطَ، وَوَصَلَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ إِلَى خِلَاطَ وَقَدِ اسْتَصْحَبُوا مَعَهُمْ مَنْ فِيهَا فَبَقِيَتْ خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا، خَالِيَةً مِنَ الْأَهْلِ وَالسُّكَّانِ، قَدْ جَرَى عَلَيْهِمْ مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ.
ذِكْرُ مُلْكِ عَلَاءِ الدِّينِ أَرْزَنَ الرُّومِ.
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ صَاحِبَ أَرْزَنَ الرُّومِ كَانَ مَعَ جَلَالِ الدِّينِ عَلَى خِلَاطَ، وَلَمْ يَزَلْ مَعَهُ، وَشَهِدَ مَعَهُ الْمَصَافَّ الْمَذْكُورَ، فَلَمَّا انْهَزَمَ جَلَالُ الدِّينِ، أَخَذَ صَاحِبَ أَرْزَنَ الرُّومِ أَسِيرًا، فَأُحْضِرَ عِنْدَ عَلَاءِ الدِّينِ كَيْقُبَاذَ ابْنُ عَمِّهِ، فَأَخَذَهُ وَقَصَدَ أَرْزَنَ الرُّومِ، فَسَلَّمَهَا صَاحِبُهَا إِلَيْهِ هِيَ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنَ الْقِلَاعِ وَالْخَزَائِنِ وَغَيْرِهَا، فَكَانَ كَمَا قِيلَ: خَرَجَتِ النَّعَامَةُ تَطْلُبُ قَرْنَيْنِ، فَعَادَتْ بِلَا أُذُنَيْنِ.
وَهَكَذَا هَذَا الْمِسْكِينُ جَاءَ إِلَى جَلَالِ الدِّينِ يَطْلُبُ الزِّيَادَةَ، فَوَعَدَهُ بِشَيْءٍ مِنْ بِلَادِ عَلَاءِ الدِّينِ، فَأَخَذَ مِنْ مَالِهِ وَمَا بِيَدَيْهِ مِنَ الْبِلَادِ وَبَقِيَ أَسِيرًا، فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَزُولُ مُلْكُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute