للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بُكْتُمُرُ صَاحِبُ خِلَاطَ مِنْهُمْ بَدُلِيسَ، أَخَذَهَا مِنْ عَمِّ حُسَامِ الدِّينِ هَذَا ; لِأَنَّهُ كَانَ مُوَافِقًا لِصَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ، فَقَصَدَهُ بُكْتُمُرُ لِذَلِكَ، وَبَقِيَتْ أَرْزَنُ بِيَدِ هَذَا إِلَى الْآنِ، فَأُخِذَتْ مِنْهُ، وَلِكُلِّ أَوَّلٍ آخِرٌ، فَسُبْحَانَ مَنْ لَا أَوَّلَ لَهُ وَلَا آخِرَ لِبَقَائِهِ.

ذِكْرُ مُلْكِ سُونَجَ قَشْيَالُوا قَلْعَةَ رَوَيْنَدْزَ.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ ظَهَرَ أَمِيرٌ مِنْ أُمَرَاءِ التُّرْكُمَانِ اسْمُهُ سُونْجُ، وَلَقَبُهُ شَمْسُ الدِّينِ، وَاسْمُ قَبِيلَتِهِ قشيَالُوا، وَقَوِيَ أَمْرُهُ، وَقَطَعَ الطَّرِيقَ، وَكَثُرَ جَمْعُهُ، وَكَانَ بَيْنَ إِرْبِلَ وَهَمَذَانَ، وَهُوَ وَمَنْ مَعَهُ يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ، وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَدَّى إِلَى قَلْعَةٍ مَنِيعَةٍ اسْمُهَا سَارُو، وَهِيَ لِمُظَفَّرِ الدِّينِ، مِنْ أَعْمَالِ إِرْبِلَ، فَأَخَذَهَا وَقَتَلَ عِنْدَهَا أَمِيرًا كَبِيرًا مِنْ أُمَرَاءَ مُظَفَّرِ الدِّينِ، فَجَمَعَ مُظَفَّرُ الدِّينِ، وَأَرَادَ اسْتِعَادَتَهَا مِنْهُ، فَلَمْ يُمْكِنْهُ لِحَصَانَتِهَا، وَلِكَثْرَةِ الْجُمُوعِ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ، فَاصْطَلَحَا عَلَى تَرْكِ الْقَلْعَةِ بِيَدِهِ.

وَكَانَ عَسْكَرٌ لِجَلَالِ الدِّينِ بْنِ خُوَارَزْمَ شَاهْ يَحْصُرُونَ قَلْعَةَ رويندزَ، وَهِيَ مِنْ قِلَاعِ أَذْرَبِيجَانَ، مِنْ أَحْصَنِ الْقِلَاعِ وَأَمْنَعِهَا، لَا يُوجَدُ مِثْلُهَا، وَقَدْ طَالَ الْحِصَارُ عَلَى مَنْ بِهَا فَأَذْعَنُوا بِالتَّسْلِيمِ، فَأَرْسَلَ جَلَالُ الدِّينِ بَعْضَ خَوَاصِّ أَصْحَابِهِ وَثِقَاتِهِ لِيَتَسَلَّمَهَا، وَأَرْسَلَ مَعَهُ الْخِلَعَ وَالْمَالَ لِمَنْ بِهَا، فَلَمَّا صَعِدَ ذَلِكَ الْقَاصِدُ إِلَى الْقَلْعَةِ وَتَسَلَّمَهَا، أَعْطَى بَعْضَ مَنْ بِالْقَلْعَةِ، وَلَمْ يُعْطِ الْبَعْضَ، وَاسْتَذَلَّهُمْ وَطَمِعَ فِيهِمْ حَيْثُ اسْتَوْلَى عَلَى الْحِصْنِ، فَلَمَّا رَأَى مَنْ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا مِنَ الْخِلَعِ وَالْمَالِ مَا فَعَلَ بِهِمْ، أَرْسَلُوا إِلَى سُونْجَ يَطْلُبُونَهُ لِيُسَلِّمُوا إِلَيْهِ الْقَلْعَةَ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ فِي أَصْحَابِهِ فَسَلَّمُوهَا إِلَيْهِ، فَسُبْحَانَ مَنْ إِذَا أَرَادَ أَمْرًا سَهَّلَهُ.

قَلْعَةُ رُويندزَ هَذِهِ لَمْ تَزَلْ تَتَقَاصَرُ عَنْهَا قُدْرَةُ أَكَابِرِ الْمُلُوكِ وَعُظَمَائِهِمْ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ وَحَدِيثِهِ، وَتُضْرَبُ الْأَمْثَالُ بِحَصَانَتِهَا، لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَنْ يَمْلِكَهَا هَذَا الرَّجُلُ الضَّعِيفُ، سَهَّلَ لَهُ الْأُمُورَ، فَمَلَكَهَا بِغَيْرِ قِتَالٍ وَلَا تَعَبٍ، وَأَزَالَ عَنْهَا أَصْحَابَ مِثْلِ جَلَالِ الدِّينِ الَّذِي كُلُّ مُلُوكِ الْأَرْضِ تَهَابُهُ وَتَخَافُهُ، وَكَانَ أَصْحَابُ جَلَالِ الدِّينِ، كَمَا قِيلَ: رُبَّ سَاعٍ لِقَاعِدٍ.

فَلَمَّا مَلَكَهَا سُونْجُ، طَمِعَ فِي غَيْرِهَا، وَلَا سِيَّمَا مَعَ اشْتِغَالِ جَلَالِ الدِّينِ بِمَا أَصَابَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>