للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ تَعَالَى أَنْ أَدْعُوَكُمْ إِلَيْهِ، فَأَيُّكُمْ يُؤَازِرُنِي عَلَى هَذَا الْأَمْرِ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَخِي وَوَصِيَّتِي وَخَلِيفَتِي فِيكُمْ؟ فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ عَنْهَا جَمِيعًا، وَقُلْتُ - وَإِنِّي لَأَحْدَثُهُمْ سِنًّا، وَأَرْمَصُهُمْ عَيْنًا، وَأَعْظَمُهُمْ بَطْنًا وَأَحْمَشُهُمْ سَاقًا: أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَكُونُ وَزِيرَكَ عَلَيْهِ. فَأَخَذَ بِرَقَبَتِي ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا أَخِي وَوَصِيِّي وَخَلِيفَتِي فِيكُمْ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا. قَالَ فَقَامَ الْقَوْمُ يَضْحَكُونَ فَيَقُولُونَ لِأَبِي طَالِبٍ: قَدْ أَمَرَكَ أَنْ تَسْمَعَ لِابْنِكَ وَتُطِيعَ» .

وَأُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَصْدَعَ بِمَا جَاءَهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنْ يُبَادِئَ النَّاسَ بِأَمْرِهِ وَيَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَكَانَ يَدْعُو فِي أَوَّلِ مَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ النُّبُوَّةُ ثَلَاثَ سِنِينَ مُسْتَخْفِيًا إِلَى أَنْ أُمِرَ بِالظُّهُورِ لِلدُّعَاءِ، ثُمَّ صَدَعَ بِأَمْرِ اللَّهِ وَبَادَأَ قَوْمَهُ بِالْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَبْعُدُوا مِنْهُ وَلَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ إِلَّا بَعْضَ الرَّدِّ، حَتَّى ذَكَرَ آلِهَتَهُمْ وَعَابَهَا. فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ بِالْإِسْلَامِ، وَهُمْ قَلِيلٌ مُسْتَخْفُونَ. وَحَدَبَ عَلَيْهِ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ وَمَنَعَهُ وَقَامَ دُونَهُ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَمْرِ اللَّهِ مُظْهِرًا لِأَمْرِهِ لَا يَرُدُّهُ شَيْءٌ.

فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُعْتِبُهُمْ مِنْ شَيْءٍ يَكْرَهُونَهُ، وَأَنَّ أَبَا طَالِبٍ قَدْ قَامَ دُونَهُ وَلَمْ يُسْلِمْهُ لَهُمْ، مَشَى رِجَالٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ إِلَى أَبِي طَالِبٍ: عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ، وَنُبَيْهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ، وَمَنْ مَشَى مِنْهُمْ، فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ، إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ قَدْ سَبَّ آلِهَتَنَا، وَعَابَ دِينَنَا، وَسَفَّهَ أَحْلَامَنَا، وَضَلَّلَ آبَاءَنَا، فَإِمَّا أَنْ تَكُفَّهُ عَنَّا، وَإِمَّا أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَإِنَّكَ عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِهِ. فَقَالَ لَهُمْ أَبُو طَالِبٍ قَوْلًا جَمِيلًا وَرَدَّهُمْ رَدًّا رَفِيقًا فَانْصَرَفُوا عَنْهُ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا هُوَ عَلَيْهِ.

ثُمَّ شَرِيَ الْأَمْرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ حَتَّى تَبَاعَدَ الرِّجَالُ فَتَضَاغَنُوا، وَأَكْثَرَتْ قُرَيْشٌ ذِكْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَذَامَرُوا فِيهِ، فَمَشَوْا إِلَى أَبِي طَالِبٍ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ إِنَّ لَكَ سِنًّا وَشَرَفًا، وَإِنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَاكَ أَنْ تَنْهَى ابْنَ أَخِيكَ فَلَمْ تَفْعَلْ، وَإِنَّا وَاللَّهِ لَا نَصْبِرُ عَلَى هَذَا مِنْ شَتْمِ آلِهَتِنَا وَآبَائِنَا وَتَسْفِيهِ أَحْلَامِنَا، حَتَّى تَكُفَّهُ عَنَّا أَوْ نُنَازِلَهُ وَإِيَّاكَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَهْلِكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ، أَوْ كَمَا قَالُوا، ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ.

فَعَظُمَ عَلَى أَبِي طَالِبٍ فِرَاقُ قَوْمِهِ وَعَدَاوَتُهُمْ لَهُ وَلَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ بِإِسْلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخِذْلَانِهِ، وَبَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْلَمَهُ مَا قَالَتْ قُرَيْشٌ وَقَالَ لَهُ: أَبْقِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>