فَلَمَّا مَلَكَ وَأَحْكَمَ مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْمُلْكِ احْتَوَى عَلَى مَنَازِلِ الضَّحَّاكِ وَسَارَ فِي أَسْرِهِ فَأَسَرَهُ بِدُنْبَاوَنْدَ فِي جِبَالِهَا.
وَبَعْضُ الْمَجُوسِ تَزْعُمُ أَنَّهُ وَكَّلَ بِهِ قَوْمًا مِنَ الْجِنِّ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنَّهُ لَقِيَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ، وَحَبَسَهُ سُلَيْمَانُ فِي جَبَلِ دُنْبَاوَنْدَ، وَكَانَ ذَلِكَ الزَّمَانَ بِالشَّامِ، فَمَا بَرِحَ بِيَوْرَاسِبُ بِحَبْسِهِ يَجُرُّهُ حَتَّى حَمَلَهُ إِلَى خُرَاسَانَ. فَلَمَّا عَرَفَ سُلَيْمَانُ ذَلِكَ أَمَرَ الْجِنَّ فَأَوْثَقُوهُ حَتَّى لَا يَزُولَ، وَعَمِلُوا عَلَيْهِ طَلْسَمًا كَرَجُلَيْنِ يَدُقَّانِ بَابَ الْغَارِ الَّذِي حُبِسَ فِيهِ أَبَدًا لِئَلَّا يَخْرُجَ، فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ لَا يَمُوتُ.
وَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَكَاذِيبِ الْفُرْسِ الْبَارِدَةِ، وَلَهُمْ فِيهِ أَكَاذِيبُ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا تَرَكْنَا ذِكْرَهَا.
وَبَعْضُ الْفُرْسِ يَزْعُمُ أَنَّ أَفْرِيدُونَ قَتَلَهُ يَوْمَ النَّيْرُوزِ، فَقَالَ الْعَجَمُ عِنْدَ قَتْلِهِ: إِمْرُوزُ نَوْرُوزُ، أَيِ اسْتَقْبَلْنَا الدَّهْرَ بِيَوْمٍ جَدِيدٍ، فَاتَّخَذُوهُ عِيدًا، وَكَانَ أَسْرُهُ يَوْمَ الْمِهْرَجَانِ، فَقَالَ الْعَجَمُ: آمَدْ مِهْرَجَانُ لِقَتْلِ مَنْ كَانَ يَذْبَحُ.
وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا فِي أُمُورِ الضَّحَّاكِ بِشَيْءٍ يُسْتَحْسَنُ غَيْرَ شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّ بَلِيَّتَهُ لَمَّا اشْتَدَّتْ وَدَامَ جَوْرُهُ وَتَرَاسَلَ الْوُجُوهُ فِي أَمْرِهِ فَأَجْمَعُوا عَلَى الْمَصِيرِ إِلَى بَابِهِ فَوَافَاهُ الْوُجُوهُ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ كَابِي الْأَصْبَهَانِيُّ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُسَلِّمْ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَيَّ السَّلَامِ أُسَلِّمُ عَلَيْكَ؟ سَلَامُ مَنْ يَمْلِكُ الْأَقَالِيمَ كُلَّهَا أَمْ سَلَامُ مَنْ يَمْلِكُ هَذَا الْإِقْلِيمَ؟ فَقَالَ: بَلْ سَلَامُ مَنْ يَمْلِكُ الْأَقَالِيمَ لِأَنِّي مَلِكُ الْأَرْضِ. فَقَالَ كَابِي: إِذْ كُنْتَ تَمْلِكُ الْأَقَالِيمَ كُلَّهَا فَلِمَ خَصَصَتْنَا بِأَثْقَالِكَ، وَأَسْبَابِكَ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَلِمَ لَا تُقَسِّمُ الْأُمُورَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ وَعَدَّدَ عَلَيْهِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، فَصَدَّقَهُ، فَعَمِلَ كَلَامُهُ فِي الضَّحَّاكِ، فَأَقَرَّ بِالْإِسَاءَةِ وَتَأَلَّفَ الْقَوْمَ، وَوَعَدَهُمْ بِمَا يُحِبُّونَ وَأَمَرَهُمْ بِالِانْصِرَافِ لِيَعُودُوا وَيَقْضِيَ حَوَائِجَهُمْ، ثُمَّ يَنْصَرِفُوا إِلَى بِلَادِهِمْ.
وَكَانَتْ أُمُّهُ حَاضِرَةً تَسْمَعُ مُعَاتَبَتَهُمْ، وَكَانَتْ شَرًّا مِنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ الْقَوْمُ دَخَلَتْ مُغْتَاظَةً مِنَ احْتِمَالِهِ وَحِلْمِهِ عَنْهُمْ فَوَبَّخَتْهُ وَقَالَتْ لَهُ: أَلَا أَهْلَكْتَهُمْ، وَقَطَّعْتَ أَيْدِيَهُمْ؟ فَلَمَّا أَكْثَرَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute