فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ: صَدَقْتَ، فَلَمَّا قَالَ:
وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ.
قَالَ: كَذَبْتَ! نَعِيمُ الْجَنَّةِ لَا يَزُولُ، فَقَالَ لَبِيدُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مَا كَانَتْ مَجَالِسُكُمْ هَكَذَا، وَلَا كَانَ السَّفَهُ مِنْ شَأْنِكُمْ. فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَهُ وَخَبَرَ ذِمَّتِهِ، فَقَامَ بَعْضُ بَنِي الْمُغِيرَةِ فَلَطَمَ عَيْنَ عُثْمَانَ، فَضَحِكَ الْوَلِيدُ شَمَاتَةً بِهِ حَيْثُ رَدَّ جِوَارَهُ، وَقَالَ لِعُثْمَانَ: مَا كَانَ أَغْنَاكَ عَنْ هَذَا! فَقَالَ إِنَّ عَيْنِي الْأُخْرَى لَمُحْتَاجَةٌ إِلَى مِثْلِ مَا نَالَتْ هَذِهِ. فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ أَنْ تَعُودَ إِلَى جِوَارِي؟ قَالَ: لَا أَعُودُ إِلَى جِوَارِ غَيْرِ اللَّهِ. فَقَامَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ إِلَى الَّذِي لَطَمَ عَيْنَ عُثْمَانَ فَكَسَرَ أَنْفَهُ، فَكَانَ أَوَّلَ دَمٍ أُرِيقَ فِي الْإِسْلَامِ فِي قَوْلٍ.
وَأَقَامَ الْمُسْلِمُونَ بِمَكَّةَ يُؤْذَوْنَ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ رَجَعُوا مُهَاجِرِينَ إِلَى الْحَبَشَةِ ثَانِيًا، فَخَرَجَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَتَتَابَعَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الْحَبَشَةِ، فَكَمُلَ بِهَا تَمَامُ اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ رَجُلًا، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقِيمٌ بِمَكَّةَ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ سِرًّا وَجَهْرًا، فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهَا إِلَيْهِ رَمَوْهُ بِالسِّحْرِ وَالْكِهَانَةِ وَالْجُنُونِ وَأَنَّهُ شَاعِرٌ، وَجَعَلُوا يَصُدُّونَ عَنْهُ مَنْ خَافُوا أَنْ يَسْمَعَ قَوْلَهُ.
وَكَانَ أَشَدُّ مَا بَلَغُوا مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: «حَضَرَتْ قُرَيْشٌ يَوْمًا بِالْحِجْرِ فَذَكَرُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا نَالَ مِنْهُمْ وَصَبْرَهُمْ عَلَيْهِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَشَى حَتَّى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ طَائِفًا، فَغَمَزُوهُ بِبَعْضِ الْقَوْلِ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ مَضَى فَلَمَّا مَرَّ بِهِمُ الثَّانِيَةَ غَمَزُوهُ مِثْلَهَا، ثُمَّ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: أَتَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ. قَالَ: فَكَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ وَاقِعٌ حَتَّى إِنَّ أَشَدَّهُمْ فِيهِ لَيَرْفَؤُهُ بِأَحْسَنِ مَا يَجِدُ. وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ذَكَرْتُمْ مَا بَلَغَ مِنْكُمْ حَتَّى إِذَا أَتَاكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ تَرَكْتُمُوهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَثَبُوا إِلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ يَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: أَنَا الَّذِي أَقُولُ ذَلِكَ، فَأَخَذَ عُقْبَةُ بْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute