للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ رَجُلًا جَلْدًا مَنِيعًا، وَأَسْلَمَ بَعْدَ هِجْرَةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْحَبَشَةِ. وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقْدِرُونَ يُصَلُّونَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ قَاتَلَ قُرَيْشًا حَتَّى صَلَّى عِنْدَهَا، وَصَلَّى مَعَهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ قَبْلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَوِيَ الْمُسْلِمُونَ بِهِمَا، وَعَلِمُوا أَنَّهُمَا سَيَمْنَعَانِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ.

قَالَتْ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ، وَكَانَتْ زَوْجَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ: إِنَّا لَنَرْحَلُ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَقَدْ ذَهَبَ عَامِرٌ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، إِذْ أَقْبَلَ عُمَرُ وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَيَّ، وَكُنَّا نَلْقَى مِنْهُ الْبَلَاءَ أَذًى وَشِدَّةً، فَقَالَ: أَتَنْطَلِقُونَ يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: نَعَمْ وَاللَّهِ لَنَخْرُجَنَّ فِي أَرْضِ اللَّهِ، فَقَدْ آذَيْتُمُونَا وَقَهَرْتُمُونَا، حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَنَا فَرَجًا. قَالَتْ: فَقَالَ: صَحِبَكُمُ اللَّهُ، وَرَأَيْتُ لَهُ رِقَّةً وَحُزْنًا. قَالَتْ: فَلَمَّا عَادَ أَخْبَرْتُهُ وَقُلْتُ لَهُ: لَوْ رَأَيْتَ عُمَرَ وَرِقَّتَهُ وَحُزْنَهُ عَلَيْنَا! قَالَ: أَطَمِعْتِ فِي إِسْلَامِهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: لَا يُسْلِمُ حَتَّى يُسْلِمَ حِمَارُ الْخَطَّابِ، لِمَا كَانَ يَرَى مِنْ غِلْظَتِهِ وَشِدَّتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَهَدَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَسْلَمَ، فَصَارَ عَلَى الْكُفَّارِ أَشَدَّ مِنْهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.

وَكَانَ سَبَبُ إِسْلَامِهِ أَنَّ أُخْتَهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْخَطَّابِ كَانَتْ تَحْتَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو الْعَدَوِيِّ، وَكَانَا مُسْلِمَيْنِ يُخْفِيَانِ إِسْلَامَهُمَا مِنْ عُمَرَ، وَكَانَ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّحَّامُ الْعَدَوِيُّ قَدْ أَسْلَمَ أَيْضًا وَهُوَ يُخْفِي إِسْلَامَهُ فَرَقًا مِنْ قَوْمِهِ، وَكَانَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ يَخْتَلِفُ إِلَى فَاطِمَةَ يُقْرِئُهَا الْقُرْآنَ، فَخَرَجَ عُمَرُ يَوْمًا وَمَعَهُ سَيْفُهُ يُرِيدُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ عِنْدَ الصَّفَا، وَعِنْدَهُ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي نَحْوِ أَرْبَعِينَ رَجُلًا، فَلَقِيَهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: أُرِيدُ مُحَمَّدًا الَّذِي فَرَّقَ أَمْرَ قُرَيْشٍ وَعَابَ دِينَهَا فَأَقْتُلُهُ. فَقَالَ نُعَيْمٌ: وَاللَّهِ لَقَدْ غَرَّتْكَ نَفْسُكَ، أَتَرَى بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ تَارِكِيكَ تَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَقَدْ قَتَلْتَ مُحَمَّدًا؟ أَفَلَا تَرْجِعُ إِلَى أَهْلِكَ فَتُقِيمَ أَمْرَهُمْ؟ قَالَ: وَأَيُّ أَهْلِي؟ قَالَ: خَتَنُكَ وَابْنُ عَمَّتِكَ وَابْنُ عَمِّكَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَأُخْتُكَ فَاطِمَةُ، فَقَدْ وَاللَّهِ أَسْلَمَا.

فَرَجَعَ عُمَرُ إِلَيْهِمَا وَعِنْدَهُمَا خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ يُقْرِئُهُمَا الْقُرْآنَ. فَلَمَّا سَمِعُوا حِسَّ عُمَرَ تَغَيَّبَ خَبَّابٌ، وَأَخَذَتْ فَاطِمَةُ الصَّحِيفَةَ فَأَلْقَتْهَا تَحْتَ فَخِذَيْهَا، وَقَدْ سَمِعَ عُمَرُ قِرَاءَةَ خَبَّابٍ. فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: مَا هَذِهِ الْهَيْنَمَةُ؟ قَالَا: مَا سَمِعْتَ شَيْئًا؟ قَالَ: بَلَى، قَدْ أُخْبِرْتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>