أَخِيهِ فَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: أَمُجِيرٌ أَمْ مُتَابِعٌ؟ قَالَ: بَلْ مُجِيرٌ. قَالَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتَ فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ وَأَقَامَ بِهَا. فَلَمَّا رَآهُ أَبُو جَهْلٍ قَالَ: هَذَا نَبِيُّكُمْ يَا عَبْدَ مَنَافٍ. فَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ: وَمَا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ مِنَّا نَبِيٌّ وَمَلِكٌ؟ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، فَأَتَاهُمْ فَقَالَ: " أَمَّا أَنْتَ يَا عُتْبَةُ فَمَا حَمَيْتَ لِلَّهِ، وَإِنَّمَا حَمَيْتَ لِنَفْسِكَ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا أَبَا جَهْلٍ فَوَاللَّهِ لَا يَأْتِي عَلَيْكَ غَيْرُ بَعِيدٍ حَتَّى تَضْحَكَ قَلِيلًا وَتَبْكِيَ كَثِيرًا، وَأَمَّا أَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ فَوَاللَّهِ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ غَيْرُ كَثِيرٍ حَتَّى تَدْخُلُوا فِيمَا تُنْكِرُونَ وَأَنْتُمْ كَارِهُونَ. "، فَكَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ» .
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْرِضُ نَفْسَهُ فِي الْمَوَاسِمِ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ، فَأَتَى كِنْدَةَ فِي مَنَازِلِهِمْ وَفِيهِمْ سَيِّدٌ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ مُلَيْحٌ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَعَرَضَ نَفْسَهُ عَلَيْهِمْ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ. فَأَتَى كَلْبًا، إِلَى بَطْنٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو عَبْدِ اللَّهِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَعَرَضَ نَفْسَهُ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَقْبَلُوا مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى بَنِي حَنِيفَةَ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ أَقْبَحَ رَدًّا عَلَيْهِ مِنْهُمْ. ثُمَّ أَتَى بَنِي عَامِرٍ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، «فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ: أَرَأَيْتَ إِنْ نَحْنُ تَابَعْنَاكَ فَأَظْهَرَكَ اللَّهُ عَلَى مَنْ خَالَفَكَ أَيَكُونُ لَنَا الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِكَ؟ قَالَ: الْأَمْرُ إِلَى اللَّهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ» . قَالَ لَهُ: أَفَنُهْدِفُ نُحُورَنَا لِلْعَرَبِ دُونَكَ فَإِذَا ظَهَرْتَ كَانَ الْأَمْرُ لِغَيْرِنَا؟ لَا حَاجَةَ لَنَا بِأَمْرِكَ.
فَلَمَّا رَجَعَتْ بَنُو عَامِرٍ إِلَى شَيْخٍ لَهُمْ كَبِيرٍ فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَسَبَهُ، وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا بَنِي عَامِرٍ هَلْ مِنْ تَلَافٍ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا تَقَوَّلَهَا إِسْمَاعِيلِيٌّ قَطُّ وَإِنَّهَا لَحَقٌّ، وَأَيْنَ كَانَ رَأْيُكُمْ عَنْهُ!
وَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى كُلِّ قَادِمٍ لَهُ اسْمٌ وَشَرَفٌ وَيَدْعُوهُ إِلَى اللَّهِ. وَكَانَ كُلَّمَا أَتَى قَبِيلَةً يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ تَبِعَهُ عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ، فَإِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute