النَّجْدِيُّ: أَلَمْ تَرَوْا حُسْنَ حَدِيثِهِ وَحَلَاوَةَ مَنْطِقِهِ؟ لَوْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَحَلَّ عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِمْ بِحَلَاوَةِ مَنْطِقِهِ، ثُمَّ يَسِيرُ بِهِمْ إِلَيْكُمْ حَتَّى يَطَأَكُمْ وَيَأْخُذَ أَمْرَكُمْ مِنْ أَيْدِيكُمْ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَرَى أَنْ نَأْخُذَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ فَتًى نَسِيبًا، وَنُعْطِي كُلَّ فَتًى مِنْهُمْ سَيْفًا، ثُمَّ يَضْرِبُونَهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَيَقْتُلُونَهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ تَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ كُلِّهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى حَرْبِ قَوْمِهِمْ جَمِيعًا، وَرَضُوا مِنَّا بِالْعَقْلِ. فَقَالَ النَّجْدِيُّ: الْقَوْلُ مَا قَالَ الرَّجُلُ، هَذَا الرَّأْيُ! فَتَفَرَّقُوا عَلَى ذَلِكَ.
فَأَتَى جِبْرَائِيلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا تَبِتِ اللَّيْلَةَ عَلَى فِرَاشِكَ. فَلَمَّا كَانَ الْعَتَمَةُ اجْتَمَعُوا عَلَى بَابِهِ يَرْصُدُونَهُ مَتَى يَنَامُ فَيَثِبُونَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: نَمْ عَلَى فِرَاشِي وَاتَّشِحْ بِبُرْدِي الْأَخْضَرِ، فَنَمْ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُصُ إِلَيْكَ شَيْءٌ تَكْرَهُهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا عِنْدَهُ مِنْ وَدِيعَةٍ وَأَمَانَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فَجَعَلَهُ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَهُوَ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يس: ١] ، إِلَى قَوْلِهِ: {فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [يس: ٩] . ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمْ يَرَوْهُ، فَأَتَاهُمْ آتٍ فَقَالَ: مَا تَنْتَظِرُونَ؟ فَقَالُوا: مُحَمَّدًا. قَالَ: خَيَّبَكُمُ اللَّهُ، خَرَجَ عَلَيْكُمْ وَلَمْ يَتْرُكْ أَحَدًا مِنْكُمْ إِلَّا جَعَلَ عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ وَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ! فَوَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى رُءُوسِهِمْ فَرَأَوُا التُّرَابَ، وَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ فَيَرَوْنَ عَلِيًّا نَائِمًا وَعَلَيْهِ بُرْدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَنَائِمٌ، فَلَمْ يَبْرَحُوا كَذَلِكَ حَتَّى أَصْبَحُوا. فَقَامَ عَلِيٌّ عَنِ الْفِرَاشِ، فَعَرَفُوهُ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال: ٣٠] الْآيَةَ.
وَسَأَلَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ عَلِيًّا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا أَدْرِي، أَمَرْتُمُوهُ بِالْخُرُوجِ فَخَرَجَ. فَضَرَبُوهُ وَأَخْرَجُوهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَحَبَسُوهُ سَاعَةً ثُمَّ تَرَكُوهُ، وَنَجَّى اللَّهُ رَسُولَهُ مِنْ مَكْرِهِمْ وَأَمَرَهُ بِالْهِجْرَةِ، وَقَامَ عَلِيٌّ يُؤَدِّي أَمَانَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَفْعَلُ مَا أَمَرَهُ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُخْطِئُهُ أَحَدٌ طَرَفَيِ النَّهَارِ أَنْ يَأْتِيَ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ إِمَّا بُكْرَةً أَوْ عَشِيَّةً، حَتَّى كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ لِرَسُولِهِ بِالْهِجْرَةِ فَأَتَانَا بِالْهَاجِرَةِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: مَا جَاءَ هَذِهِ السَّاعَةَ إِلَّا لِأَمْرِ حَدَثَ. فَلَمَّا دَخَلَ جَلَسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute