للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَحْلَهُ وَشَقَّ قَمِيصَهُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اللَّطِيمَةَ! أَمْوَالُكُمْ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ قَدْ عَرَضَ لَهُ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ، لَا أَدْرِي إِنْ تُدْرِكُوهَا، الْغَوْثَ الْغَوْثَ! فَشَغَلَنِي عَنْهُ وَشَغَلَهُ عَنِّي.

قَالَ: فَتَجَهَّزَ النَّاسُ سِرَاعًا وَلَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْ أَشْرَافِهِمْ أَحَدٌ إِلَّا أَبَا لَهَبٍ، وَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَعَزَمَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ عَلَى الْقُعُودِ، فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخًا ثَقِيلًا بَطِيئًا، فَأَتَاهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِمِجْمَرَةٍ فِيهَا نَارٌ وَمَا يُتَبَخَّرُ بِهِ وَقَالَ: يَا أَبَا عَلِيٍّ، اسْتَجْمِرْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنَ النِّسَاءِ. فَقَالَ: قَبَّحَكَ اللَّهُ، وَقَبَّحَ مَا جِئْتَ بِهِ! وَتَجَهَّزَ وَخَرَجَ مَعَهُمْ. وَعَزَمَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ أَيْضًا عَلَى الْقُعُودِ، فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ شَيْبَةُ: إِنْ فَارَقْنَا قَوْمَنَا كَانَ ذَلِكَ سُبَّةً عَلَيْنَا، فَامْضِ مَعَ قَوْمِكَ، فَمَشَى مَعَهُمْ.

فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى الْمَسِيرِ ذَكَرُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ الْحَارِثِ، فَخَافُوا أَنْ يُؤْتَوْا مِنْ خَلْفِهِمْ، فَجَاءَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشَمٍ الْمُدْلِجِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ كِنَانَةَ، وَقَالَ: أَنَا جَارٌ لَكُمْ فَاخْرُجُوا سِرَاعًا.

وَكَانُوا تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا، وَقِيلَ: كَانُوا أَلْفَ رَجُلٍ، وَكَانَتْ خَيْلُهُمْ مِائَةَ فَرَسٍ، فَنَجَا مِنْهَا سَبْعُونَ فَرَسًا وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ ثَلَاثِينَ فَرَسًا، وَكَانَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ سَبْعُمِائَةِ بَعِيرٍ.

وَكَانَ مَسِيرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِثَلَاثِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَقِيلَ: أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ: بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَقِيلَ: ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ: كَانُوا سَبْعَةً وَسَبْعِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَالْبَاقُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ.

فَقِيلَ: جَمِيعُ مَنْ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَهْمٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا، وَمِنَ الْأَوْسِ أَحَدٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا، وَمِنَ الْخَزْرَجِ مِائَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ غَيْرُ فَارِسَيْنِ، أَحَدُهُمَا الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو الْكِنْدِيُّ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَالثَّانِي قِيلَ: كَانَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، وَقِيلَ كَانَ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ، وَقِيلَ: الْمِقْدَادُ وَحْدَهُ، وَكَانَتِ الْإِبِلُ سَبْعِينَ بَعِيرًا، فَكَانُوا يَتَعَاقَبُونَ عَلَيْهَا الْبَعِيرُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ، فَكَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بَعِيرٌ، وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بَعِيرٌ، وَعَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>