للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ، فَنَادَتْ زَيْنَبُ مِنْ صُفَّةِ النِّسَاءِ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا عَلِمْتُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّهُ لَيُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ. وَقَالَ لِزَيْنَبَ: لَا يَخْلُصُ إِلَيْكِ، فَلَا يَحِلُّ لَكِ. وَقَالَ لِلسَّرِيَّةِ الَّذِينَ أَصَابُوهُ: إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تَرُدُّوا عَلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَهُوَ فَيْءُ اللَّهِ الَّذِي أَفَاءَهُ عَلَيْكُمْ، وَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِهِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلْ نَرُدُّهُ عَلَيْهِ. فَرَدُّوا عَلَيْهِ مَالَهُ كُلَّهُ حَتَّى الشِّظَاظَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مَكَّةَ فَرَدَّ عَلَى النَّاسِ مَا لَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا مَنَعَنِي مِنَ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُ إِلَّا تَخَوُّفُ أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي إِنَّمَا أَرَدْتُ أَكْلَ أَمْوَالِكُمْ. ثُمَّ خَرَجَ فَقَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّ عَلَيْهِ أَهْلَهُ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ» .

وَجَلَسَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بَعْدَ بَدْرٍ، وَكَانَ شَيْطَانًا مِمَّنْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ وَأَصْحَابَهُ، وَكَانَ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْأُسَارَى، فَقَالَ صَفْوَانُ: لَا خَيْرَ فِي الْعَيْشِ بَعْدَ مَنْ أُصِيبَ بِبَدْرٍ. فَقَالَ عُمَيْرٌ: صَدَقْتَ، وَلَوْلَا دَيْنٌ عَلَيَّ، وَعِيَالٌ أَخْشَى ضَيْعَتَهُمْ لَرَكِبْتُ إِلَى مُحَمَّدٍ حَتَّى أَقْتُلَهُ. فَقَالَ صَفْوَانُ: دَيْنُكَ عَلَيَّ، وَعِيَالُكَ مَعَ عِيَالِي أُسْوَتُهُمْ. فَسَارَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَدِمَهَا، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِإِدْخَالِهِ عَلَيْهِ، فَأَخَذَ عُمَرُ بِحَمَّالَةِ سَيْفِهِ وَقَالَ لِرِجَالٍ مَعَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ: ادْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحْذَرُوا هَذَا الْخَبِيثَ. فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعُمَرَ: اتْرُكْهُ، ثُمَّ قَالَ: ادْنُ يَا عُمَيْرُ، مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جِئْتُ لِهَذَا الْأَسِيرِ. قَالَ: اصْدُقْنِي. قَالَ: مَا جِئْتُ إِلَّا لِذَلِكَ. قَالَ: بَلْ قَعَدْتَ أَنْتَ وَصَفْوَانُ، وَجَرَى بَيْنَكُمَا كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ عُمَيْرٌ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، هَذَا الْأَمْرُ لَمْ يَحْضُرْهُ إِلَّا أَنَا وَصَفْوَانُ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَقِّهُوا أَخَاكُمْ فِي دِينِهِ، وَعَلِّمُوهُ الْقُرْآنَ، وَأَطْلِقُوا لَهُ أَسِيرَهُ. فَفَعَلُوا. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَنْتُ شَدِيدَ الْأَذَى لِلْمُسْلِمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ تَأْذَنَ لِي، فَأَقْدَمَ مَكَّةَ فَأَدْعُوَ إِلَى اللَّهِ وَأُوذِيَ الْكُفَّارَ فِي دِينِهِمْ كَمَا كُنْتُ أُوذِي أَصْحَابَكَ. فَأَذِنَ لَهُ، فَكَانَ صَفْوَانُ يَقُولُ: أَبْشِرُوا الْآنَ بِوَقْعَةٍ تَأْتِيكُمْ تُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ.

فَلَمَّا قَدِمَ عُمَيْرٌ أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إِلَى اللَّهِ، فَأَسْلَمَ مَعَهُ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ يُؤْذِي مَنْ خَالَفَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>