مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، وَكَانَ قَدْ كَبُرَ عَلَيْهِ قَتْلُ مَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَارَ إِلَى مَكَّةَ وَحَرَّضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَكَى أَصْحَابَ بَدْرٍ، وَكَانَ يُشَبِّبُ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى آذَاهُمْ، فَلَمَّا عَادَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ لِي مِنِ ابْنِ الْأَشْرَفِ؟ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ: أَنَا لَكَ بِهِ، أَنَا أَقْتُلُهُ. قَالَ: فَافْعَلْ إِنْ قَدَرْتَ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَابُدَّ لَنَا مَا نَقُولُ. قَالَ: قُولُوا مَا بَدَا لَكُمْ، فَأَنْتُمْ فِي حِلٍّ مِنْ ذَلِكَ.
فَاجْتَمَعَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَسِلْكَانُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ، وَهُوَ أَبُو نَائِلَةَ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ، وَكَانَ أَخَا كَعْبٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ، ثُمَّ قَدَّمُوا إِلَى ابْنِ الْأَشْرَفِ أَبَا نَائِلَةَ، فَتَحَدَّثَ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا بْنَ الْأَشْرَفِ، إِنِّي قَدْ جِئْتُكَ لِحَاجَةٍ فَاكْتُمْهَا عَلَيَّ. قَالَ: أَفْعَلُ. قَالَ: كَانَ قُدُومُ هَذَا الرَّجُلِ شُؤْمًا عَلَى الْعَرَبِ، قَطَعَ عَنَّا السُّبُلَ حَتَّى ضَاعَتِ الْعِيَالُ، وَجَهَدَتِ الْبَهَائِمُ. فَقَالَ كَعْبٌ: قَدْ كُنْتُ أَخْبَرْتُكَ بِهَذَا. قَالَ أَبُو نَائِلَةَ: وَأُرِيدُ أَنْ تَبِيعَنَا طَعَامًا وَنَرْهَنَكَ، وَنُوَثِّقَ لَكَ، وَتُحْسِنَ فِي ذَلِكَ. قَالَ: تَرْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ؟ قَالَ: أَرَدْتَ أَنْ تَفْضَحَنَا، إِنَّ مَعِي أَصْحَابِي عَلَى مِثْلِ رَأْيِي، تَبِيعُهُمْ وَتُحْسِنُ، وَنَجْعَلُ عِنْدَكَ رَهْنًا مِنَ الْحَلْقَةِ مَا فِيهِ وَفَاءٌ، وَأَرَادَ أَبُو نَائِلَةَ بِذِكْرِ الْحَلْقَةِ، وَهِيَ السِّلَاحُ، أَنْ لَا يُنْكِرَ السِّلَاحَ إِذَا جَاءَ مَعَ أَصْحَابِهِ. فَقَالَ: إِنَّ فِي الْحَلْقَةِ لَوَفَاءً.
فَرَجَعَ أَبُو نَائِلَةَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمْ، فَأَخَذُوا السِّلَاحَ وَسَارُوا إِلَيْهِ، وَشَيَّعَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ وَدَعَا لَهُمْ. فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى حِصْنِ كَعْبٍ هَتَفَ بِهِ أَبُو نَائِلَةَ، وَكَانَ كَعْبٌ قَرِيبَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، فَوَثَبَ إِلَيْهِ، وَتَحَدَّثُوا سَاعَةً، وَسَارَ مَعَهُمْ إِلَى شِعْبِ الْعَجُوزِ. ثُمَّ إِنَّ أَبَا نَائِلَةَ أَخَذَ بِرَأْسِ كَعْبٍ وَشَمَّ بِيَدِهِ وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَاللَّيْلَةِ طِيبًا أَعْرَفَ قَطُّ. ثُمَّ مَشَى سَاعَةً وَعَادَ لِمِثْلِهَا حَتَّى اطْمَأَنَّ كَعْبٌ، ثُمَّ مَشَى سَاعَةً وَأَخَذَ بِفَوْدِ رَأْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: اضْرِبُوا عَدُوَّ اللَّهِ! فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُهُمْ، فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَذَكَرْتُ مِغْوَلًا فِي سَيْفِي فَأَخَذْتُهُ، وَقَدْ صَاحَ عَدُوُّ اللَّهِ صَيْحَةً لَمْ يَبْقَ حَوْلَنَا حِصْنٌ إِلَّا أُوقِدَتْ عَلَيْهِ نَارٌ، قَالَ: فَوَضَعْتُهُ فِي ثُنْدُؤَتِهِ، ثُمَّ تَحَامَلْتُ عَلَيْهِ حَتَّى بَلَغْتُ عَانَتَهُ، وَوَقَعَ عَدُوُّ اللَّهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute