لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ نَصْرَ مُحَمَّدٍ عَلَيْكُمْ حَقٌّ. فَقَالُوا: إِنَّ الْيَوْمَ السَّبْتُ. فَقَالَ: لَا سَبْتَ، وَأَخَذَ سَيْفَهُ وَعُدَّتَهُ وَقَالَ: إِنْ قُتِلْتُ فَمَالِي لِمُحَمَّدٍ يَصْنَعُ بِهِ مَا يَشَاءُ، ثُمَّ غَدَا فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُخَيْرِيقٌ خَيْرُ يَهُودَ.
وَقُتِلَ الْيَمَانُ أَبُو حُذَيْفَةَ، قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَفَعَهُ وَثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ وَقْشٍ مَعَ النِّسَاءِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَهُمَا شَيْخَانِ: مَا نَنْتَظِرُ؟ أَفَلَا نَأْخُذُ أَسْيَافَنَا فَنَلْحَقُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنَا الشَّهَادَةَ. فَفَعَلَا وَدَخَلَا فِي النَّاسِ وَلَا يُعْلَمُ بِهِمَا، فَأَمَّا ثَابِتٌ فَقَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ، وَأَمَّا الْيَمَانُ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلُوهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَبِي أَبِي! فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا عَرَفْنَاهُ. فَقَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ. وَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدِيَهُ، فَتَصَدَّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
وَاحْتَمَلَ بَعْضُ النَّاسِ قَتْلَاهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَفْنِهِمْ حَيْثُ صُرِعُوا، وَأَمَرَ أَنْ يُدْفَنَ الِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ، وَأَنْ يُقَدَّمَ إِلَى الْقِبْلَةِ أَكْثَرُهُمْ قُرْآنًا، وَصَلَّى عَلَيْهِ، فَكَانَ كُلَّمَا أُتِيَ بِشَهِيدٍ جَعَلَ حَمْزَةَ مَعَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِمَا، وَقِيلَ: كَانَ يَجْمَعُ تِسْعَةً مِنَ الشُّهَدَاءِ وَحَمْزَةَ عَاشِرَهُمْ فَيُصَلِّي عَلَيْهِمْ، وَنَزَلَ فِي قَبْرِهِ عَلِيٌّ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَالزُّبَيْرُ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حُفْرَتِهِ، وَأَمَرَ أَنْ يُدْفَنَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَرَامٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ: كَانَا مُتَصَافِيَيْنِ فِي الدُّنْيَا.
فَلَمَّا دُفِنَ الشُّهَدَاءُ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَقِيَتْهُ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، فَنَعَى لَهَا أَخَاهَا عَبْدَ اللَّهِ، فَاسْتَرْجَعَتْ لَهُ، ثُمَّ نَعَى لَهَا خَالَهَا حَمْزَةَ فَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ، ثُمَّ نَعَى لَهَا زَوْجَهَا مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ، فَوَلْوَلَتْ وَصَاحَتْ، فَقَالَ: إِنَّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ مِنْهَا لَبِمَكَانٍ.
وَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَارٍ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ فَسَمِعَ الْبُكَاءَ وَالنَّوَائِحَ، فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَبَكَى وَقَالَ: لَكِنَّ حَمْزَةَ لَا بِوَاكِيَ لَهُ! فَرَجَعَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ إِلَى دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَأَمَرَ نِسَاءَهُمْ أَنْ يَذْهَبْنَ فَيَبْكِينَ عَلَى حَمْزَةَ.
وَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِامْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ أُصِيبَ أَبُوهَا وَزَوْجُهَا، فَلَمَّا نُعِيَا لَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute