لَكُمْ إِبِلَكُمْ هَذِهِ زَبِيبًا بِعُكَاظٍ. قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: أَخْبِرُوهُ أَنَّا قَدْ أَجْمَعْنَا السَّيْرَ إِلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ لِنَسْتَأْصِلَهُمْ. فَمَرُّوا بِالِنَبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَظَفِرَ فِي طَرِيقِهِ بِمُعَاوِيَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَبِأَبِي عَزَّةَ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْجُمَحِيِّ، وَكَانَ قَدْ تَخَلَّفَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ، سَارُوا وَتَرَكُوهُ نَائِمًا، وَكَانَ أَبُو عَزَّةَ قَدْ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَأَطْلَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَيْرِ فِدَاءٍ لِأَنَّهُ شَكَا إِلَيْهِ فَقْرًا وَكَثْرَةَ عِيَالٍ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ الْعُهُودَ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ وَلَا يُعِينَ عَلَى قِتَالِهِ، فَخَرَجَ مَعَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ وَحَرَّضَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، امْنُنْ عَلَيَّ. قَالَ: الْمُؤْمِنُ لَا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ. وَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ.
وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَهُوَ الَّذِي جَدَعَ أَنْفَ حَمْزَةَ وَمَثَّلَ بِهِ مَعَ مَنْ مَثَّلَ بِهِ، وَكَانَ قَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى دَارَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ لَهُ عُثْمَانُ: أَهْلَكْتَنِي وَأَهْلَكْتَ نَفْسَكَ. فَقَالَ: أَنْتَ أَقْرَبُهُمْ مِنِّي رَحِمًا، وَقَدْ جِئْتُكَ لِتُجِيرَنِي. وَأَدْخَلَهُ عُثْمَانُ دَارَهُ، وَقَصَدَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُشَفَّعَ فِيهِ، فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إِنْ مُعَاوِيَةَ بِالْمَدِينَةِ فَاطْلُبُوهُ. فَأَخْرَجُوهُ مِنْ مَنْزِلِ عُثْمَانَ، وَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ عُثْمَانُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُ إِلَّا لِأَطْلُبَ لَهُ أَمَانًا فَهَبْهُ لِي، فَوَهَبَهُ لَهُ وَأَجَّلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَأَقْسَمَ لَئِنْ أَقَامَ بَعْدَهَا لِيَقْتُلَنَّهُ، فَجَهَّزَهُ عُثْمَانُ وَقَالَ لَهُ: ارْتَحِلْ.
وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، وَأَقَامَ مُعَاوِيَةُ لِيَعْرِفَ أَخْبَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ يُصْبِحُ قَرِيبًا وَلَمْ يَبْعُدْ، فَاطْلُبُوهُ، فَطَلَبَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَعَمَّارٌ فَأَدْرَكَاهُ بِالْحُمَاةِ، فَقَتَلَاهُ.
وَهَذَا مُعَاوِيَةُ جَدُّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ لِأُمِّهِ.
وَفِيهَا قِيلَ: وُلِدَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute