فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعِينَ رَجُلًا، فِيهِمُ: الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ الْمُعْنِقُ لِيَمُوتَ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ، وَحَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ: كَانُوا أَرْبَعِينَ، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ بَيْنَ أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ وَحَرَّةِ بَنِي سُلَيْمٍ، فَلَمَّا نَزَلُوهَا بَعَثُوا حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ بِكِتَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ، فَلَمَّا أَتَاهُ لَمْ يَنْظُرْ إِلَى الْكِتَابِ وَعَدَا عَلَى حَرَامٍ فَقَتَلَهُ، فَلَمَّا طَعَنَهُ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ! وَاسْتَصْرَخَ بَنِي عَامِرٍ، فَلَمْ يُجِيبُوهُ وَقَالُوا: لَنْ نُخْفِرَ أَبَا بَرَاءٍ، فَقَدْ أَجَارَهُمْ، فَاسْتَصْرَخَ بَنِي سُلَيْمٍ: عُصَيَّةَ وَرِعْلًا وَذَكْوَانَ، فَأَجَابُوهُ وَخَرَجُوا حَتَّى أَحَاطُوا بِالْمُسْلِمِينَ، فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى قُتِلُوا عَنْ آخِرِهِمْ إِلَّا كَعْبَ بْنَ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ، فَإِنَّهُمْ تَرَكُوهُ وَبِهِ رَمَقٌ، فَعَاشَ حَتَّى قُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ.
وَكَانَ فِي سَرْحِ الْقَوْمِ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَرَأَيَا الطَّيْرَ تَحُومُ عَلَى الْعَسْكَرِ فَقَالَا: إِنَّ لَهَا لَشَأْنًا، فَأَقْبَلَا يَنْظُرَانِ، فَإِذَا الْقَوْمُ صَرْعَى، وَإِذَا الْخَيْلُ وَاقِفَةٌ، فَقَالَ عَمْرٌو: نَلْحَقُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنُخْبِرُهُ الْخَبَرَ. فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: لَا أَرْغَبُ بِنَفْسِي عَنْ مَوْطِنٍ فِيهِ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَأَخَذُوا عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ أَسِيرًا. فَلَمَّا عَلِمَ عَامِرٌ أَنَّهُ مِنْ سَعْدٍ أَطْلَقَهُ، وَخَرَجَ عَمْرٌو حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْقَرْقَرَةِ لَقِيَ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، فَنَزَلَا مَعَهُ وَمَعَهُمَا عَقْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ عَمْرٌو فَقَتَلَهُمَا، ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَبَرَ، فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ قَتَلْتَ قَتِيلَيْنِ لَأُدَيَنَّهُمَا. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ.
وَكَانَ فِيمَنْ قُتِلَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، فَكَانَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ يَقُولُ: مَنِ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَمَّا قُتِلَ رُفِعَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ؟ قَالُوا: هُوَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ. وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُحَرِّضُ بَنِي أَبِي الْبَرَاءِ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ:
بَنِي أُمِّ الْبَنِينَ أَلَمْ يَرُعْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنْ ذَوَائِبِ أَهْلِ نَجْدِ ... تَهَكُّمُ عَامِرٍ بِأَبِي بَرَاءٍ لِيُخْفِرَهُ وَمَا خَطَأٌ كَعَمْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute