مِنَ الْأَنْصَارِ - يَعْمَلُونَ، فَخَرَجَتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ كَسَرَتِ الْمِعْوَلَ، فَأَعْلَمُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَبَطَ إِلَيْهَا وَمَعَهُ سَلْمَانُ، فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ، وَضَرَبَ الصَّخْرَةَ ضَرْبَةً صَدَّعَهَا، وَبَرَقَتْ مِنْهَا بَرْقَةً أَضَاءَتْ مَا بَيْنَ لَابَّتَيِ الْمَدِينَةِ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ، ثُمَّ الثَّانِيَةَ كَذَلِكَ، ثُمَّ الثَّالِثَةَ كَذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَ وَقَدْ صَدَّعَهَا، فَسَأَلَهُ سَلْمَانُ عَمَّا رَأَى مِنَ الْبَرْقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَضَاءَتِ الْحِيرَةَ وَقُصُورَ كِسْرَى فِي الْبَرْقَةِ الْأُولَى، وَأَخْبَرَنِي جِبْرَائِيلُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، وَأَضَاءَ لِي فِي الثَّانِيَةِ الْقُصُورَ الْحُمْرَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ وَالرُّومِ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، وَأَضَاءَ لِي فِي الثَّالِثَةِ قُصُورَ صَنْعَاءَ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، فَأَبْشِرُوا، فَاسْتَبْشَرَ الْمُسْلِمُونَ.
وَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: أَلَا تَعْجَبُونَ؟ يَعِدُكُمُ الْبَاطِلَ، وَيُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ يَنْظُرُ مِنْ يَثْرِبَ الْحِيرَةَ وَمَدَائِنَ كِسْرَى، وَأَنَّهَا تُفْتَحُ لَكُمْ، وَأَنْتُمْ لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَبْرُزُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: ١٢] .
فَأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ حَتَّى نَزَلَتْ بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُومَةَ بَيْنَ الْجُرْفِ وَزَغَابَةَ، فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ أَحَابِيشِهِمْ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنْ كِنَانَةَ وَتِهَامَةَ، وَأَقْبَلَتْ غَطَفَانُ وَمَنْ تَابَعَهُمْ حَتَّى نَزَلُوا إِلَى جَنْبِ أُحُدٍ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ فَجَعَلُوا ظُهُورَهُمْ إِلَى سَلْعٍ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ، فَنَزَلَ هُنَاكَ، وَرَفَعَ الذَّرَارِيَّ وَالنِّسَاءَ فِي الْآطَامِ.
وَخَرَجَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ حَتَّى أَتَى كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ سَيِّدَ قُرَيْظَةَ، وَكَانَ قَدْ وَادَعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَوْمِهِ، فَأَغْلَقَ كَعْبٌ حِصْنَهُ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ، وَقَالَ: إِنَّكَ امْرُؤٌ مَشْئُومٌ، وَقَدْ عَاهَدْتُ مُحَمَّدًا وَلَمْ أَرَ مِنْهُ إِلَّا الْوَفَاءَ. قَالَ حُيَيٌّ: يَا كَعْبُ، قَدْ جِئْتُكَ بِعِزِّ الدَّهْرِ وَبِبَحْرٍ طَامٍ، جِئْتُكَ بِقُرَيْشٍ وَقَادَتِهَا وَسَادَتِهَا، وَغَطَفَانَ بِقَادَتِهَا، وَقَدْ عَاهَدُونِي أَنَّهُمْ لَا يَبْرَحُونَ حَتَّى يَسْتَأْصِلُوا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ. قَالَ كَعْبٌ: جِئْتَنِي بِذُلِّ الدَّهْرِ، وَبِجَهَامٍ قَدْ هَرَاقَ مَاءَهُ يُرْعِدُ وَيُبْرِقُ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، وَيْحَكَ يَا حُيَيُّ! دَعْنِي وَمُحَمَّدًا. وَلَمْ يَزَلْ مَعَهُ يَفْتِلُهُ فِي الذُّرْوَةِ وَالْغَارِبِ حَتَّى حَمَلَهُ عَلَى الْغَدْرِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَعَلَ وَنَكَثَ الْعَهْدَ، وَعَاهَدَهُ حُيَيٌّ إِنْ عَادَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ وَلَمْ يُصِيبُوا مُحَمَّدًا أَنْ أَدْخُلَ مَعَكَ فِي حِصْنِكَ حَتَّى يُصِيبَنِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute