{لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون: ٨] ! ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ مِنْ قَوْمِهِ فَقَالَ: هَذَا مَا فَعَلْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ! أَحْلَلْتُمُوهُمْ بِبِلَادِكُمْ، وَقَاسَمْتُمُوهُمْ أَمْوَالَكُمْ! وَاللَّهِ لَوْ أَمْسَكْتُمْ عَنْهُمْ مَا بِأَيْدِيكُمْ لَتَحَوَّلُوا إِلَى غَيْرِ بِلَادِكُمْ.
فَسَمِعَ ذَلِكَ زِيدٌ، فَمَشَى بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ عِنْدَ فَرَاغِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَزْوِهِ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَعِنْدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْ بِهِ عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ فَلْيَقْتُلْهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ إِذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ! وَلَكِنْ أَذِّنْ بِالرَّحِيلِ» . فَارْتَحَلَ فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَرْتَحِلُ فِيهَا، لِيَقْطَعَ مَا النَّاسُ فِيهِ.
فَلَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ رُحْتَ فِي سَاعَةٍ لَمْ تَكُنْ تَرُوحُ فِيهَا. فَقَالَ: أَوَمَا بَلَغَكَ مَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ؟ قَالَ: وَمَاذَا؟ قَالَ زَعَمَ إِنْ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ. قَالَ أُسَيْدٌ: فَأَنْتَ وَاللَّهِ تُخْرِجُهُ إِنْ شِئْتَ، فَإِنَّكَ الْعَزِيزُ وَهُوَ الذَّلِيلُ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ارْفُقْ بِهِ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ بِكَ وَإِنَّ قَوْمَهُ لَيَنْظِمُونَ لَهُ الْخَرَزَ لِيُتَوِّجُوهُ، فَإِنَّهُ لَيَرَى أَنَّكَ قَدِ اسْتَلَبْتَهُ مُلْكًا.
وَسَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنَّ زَيْدًا أَعْلَمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ، فَمَشَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا قُلْتُ مَا قَالَ، وَلَا تَكَلَّمْتُ بِهِ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ فِي قَوْمِهِ شَرِيفًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَسَى أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ قَدْ أَخْطَأَ، «وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: ١] تَصْدِيقًا لِزَيْدٍ، فَلَمَّا نَزَلَتْ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُذُنِ زَيْدٍ وَقَالَ: هَذَا الَّذِي أَوْفَى اللَّهُ بِأُذُنِهِ» .
وَبَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ أَبِيهِ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ قَتْلَ أَبِي، فَإِنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَمُرْنِي بِهِ، فَأَنَا أَحْمِلُ إِلَيْكَ رَأْسَهُ، وَأَخْشَى أَنْ تَأْمُرَ غَيْرِي بِقَتْلِهِ، فَلَا تَدَعُنِي نَفْسِي أَنْظُرُ إِلَى قَاتِلِ أَبِي يَمْشِي فِي النَّاسِ فَأَقْتُلُهُ، فَأَقْتُلُ مُؤْمِنًا بِكَافِرٍ فَأَدْخُلُ النَّارَ.
فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ نَرْفُقُ بِهِ، وَنُحْسِنُ صُحْبَتَهُ مَا بَقِيَ مَعَنَا. فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَحْدَثَ حَدَثًا عَاتَبَهُ قَوْمُهُ، وَعَنَّفُوهُ، وَتَوَعَّدُوهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute