ثُمَّ إِنَّ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيَّ أَقْبَلَ مِنَ الشَّامِ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِأَرْضِ جُذَامَ أَغَارَ عَلَيْهِ الْهُنَيْدُ بْنُ عُوصٍ، وَابْنُهُ عُوصُ بْنُ الْهُنَيْدِ الضُّلَيْعِيَّانِ، وَهُوَ بَطْنٌ مِنْ جُذَامَ، فَأَخَذَا كُلَّ شَيْءٍ مَعَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَفَرًا مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ قَوْمِ رِفَاعَةَ مِمَّنْ كَانَ أَسْلَمَ، فَنَفَرُوا إِلَى الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ، وَاقْتَتَلُوا، فَظَفِرَ بَنُو الضُّبَيْبِ، وَاسْتَنْقَذُوا كُلَّ شَيْءٍ أُخِذَ مِنْ دِحْيَةَ، وَرَدُّوهُ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ دِحْيَةُ حَتَّى قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ، وَطَلَبَ مِنْهُ دَمَ الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ عُوصٍ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِي جَيْشٍ، فَأَغَارُوا بِالْفَضَافِضِ، وَجَمَعُوا مَا وَجَدُوا مِنْ مَالٍ، وَقَتَلُوا الْهُنَيْدَ وَابْنَهُ.
فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ بَنُو الضُّبَيْبِ رَهْطُ رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ، سَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فَقَالُوا: إِنَّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ. فَقَالَ زَيْدٌ: فَاقْرَءُوا أُمَّ الْكِتَابِ، فَقَرَأَهَا حَسَّانُ بْنُ مِلَّةَ. فَقَالَ زَيْدٌ: نَادُوا فِي الْجَيْشِ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْنَا مَا أُخِذَ مِنْ طَرِيقِ الْقَوْمِ الَّتِي جَاءُوا مِنْهَا، وَأَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِمْ سَبَايَاهُمْ، فَأَخْبَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ عَنْهُمْ بِمَا أَوْجَبَ أَنْ يَحْتَاطَ، فَتَوَقَّفَ فِي تَسْلِيمِ السَّبَايَا وَقَالَ: هُمْ فِي حُكْمِ اللَّهِ، وَنَهَى الْجَيْشَ أَنْ يَهْبِطُوا وَادِيَهُمْ.
وَعَادَ أُولَئِكَ الرَّكْبُ الْجُذَامِيُّونَ إِلَى رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ بِكُرَاعِ رَبَّةَ لَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِمْ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ: إِنَّكَ لَجَالِسٌ تَحْلُبُ الْمَعْزَى، وَنِسَاءُ جُذَامَ أُسَارَى قَدْ غَرَّهُنَّ كِتَابُكَ الَّذِي جِئْتَ بِهِ. فَسَارَ رِفَاعَةُ وَالْقَوْمُ مَعَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَعَرَضَ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْقَتْلَى؟ فَقَالُوا: لَنَا مَنْ كَانَ حَيًّا، وَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ تَحْتُ أَقْدَامِنَا، يَعْنُونَ تَرَكُوا الطَّلَبَ بِهِ. فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ وَأَرْسَلَ مَعَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ إِلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، فَرَدَّ عَلَى الْقَوْمِ مَا لَهُمْ حَتَّى كَانُوا يَنْتَزِعُونَ لَبِدَ الْمَرْأَةِ تَحْتَ الرَّحْلِ، وَأَطْلَقَ الْأُسَارَى.
(رَبَّةُ بِالرَّاءِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ. وَالضُّبَيْبُ بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، تَصْغِيرُ ضَبٍّ، وَقِيلَ: هُوَ بِفَتْحِ الضَّادِ، وَكَسْرِ الْبَاءِ، وَآخِرُهُ نُونٌ - نِسْبَةً إِلَى ضَبِيبَةَ) .
وَمِنْهَا سَرِيَّةُ زَيْدٍ أَيْضًا إِلَى وَادِي الْقُرَى فِي رَجَبٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute