شَدِيدًا، فَمَاتَ مِنْهُ، فَقَالَ النَّاسُ: إِنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ. فَقَالَ سَلَمَةُ ابْنُ أَخِيهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالُوا، فَقَالَ: كَذَبُوا، بَلْ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ. فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهَا قَالَ لِأَصْحَابِهِ: قِفُوا. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَمَا أَظْلَلْنَ، وَرَبَّ الْأَرَضِينَ وَمَا أَقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّيَاضِ وَمَا أَذْرَيْنَ، نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا، أَقْدِمُوا بِسْمِ اللَّهِ. وَكَانَ يَقُولُ ذَلِكَ لِكُلِّ قَرْيَةٍ يَقْدَمُهَا.
وَنَزَلَ خَيْبَرَ لَيْلًا وَلَمْ يَعْلَمْ أَهْلُهَا، فَخَرَجُوا عِنْدَ الصَّبَاحِ إِلَى عَمَلِهِمْ بِمِسَاحِيِّهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ عَادُوا وَقَالُوا: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، يَعْنُونَ الْجَيْشَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} [الصافات: ١٧٧] » .
ثُمَّ حَصَرَهُمْ وَضَيَّقَ عَلَيْهِمْ، وَبَدَأَ بِالْأَمْوَالِ يَأْخُذُهَا مَالًا مَالًا، وَيَفْتَحُهَا حِصْنًا حِصْنًا، فَكَانَ أَوَّلَ حِصْنٍ افْتَتَحَهُ حِصْنُ نَاعِمٍ، وَعِنْدَهُ قُتِلَ مَحْمُودُ بْنُ سَلَمَةَ، أُلْقِيَ عَلَيْهِ مِنْهُ رَحًى فَقَتَلَتْهُ، ثُمَّ الْقَمُوصُ حِصْنُ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَصَابَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَايَا، مِنْهُمْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَكَانَتْ عِنْدَ كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ، وَفَشَتِ السَّبَايَا فِي الْمُسْلِمِينَ، وَأَكَلُوا لُحُومَ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا.
وَكَانَ الزَّبِيرُ بْنُ بَاطَا الْقُرَظِيُّ قَدْ مَنَّ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ بُعَاثَ، فَأَطْلَقَهُ، فَلَمَّا كَانَ الْآنَ أَتَاهُ ثَابِتٌ فَقَالَ لَهُ: أَتَعْرِفُنِي؟ قَالَ: وَهَلْ يَجْهَلُ مِثْلِي مِثْلَكَ! قَالَ: أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَكَ بِيَدِكَ عِنْدِي. قَالَ: إِنَّ الْكَرِيمَ يُجِيزُ الْكَرِيمَ. فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: كَانَ لِلزَّبِيرِ عِنْدِي يَدٌ أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهُ بِهَا فَهَبْهُ لِي. فَوَهَبَهُ لَهُ. فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ وَهَبَ لِي دَمَكَ فَهُوَ لَكَ. قَالَ: شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا وَلَدَ، فَاسْتَوْهَبَ ثَابِتٌ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَهَبَهُمْ لَهُ. فَقَالَ الزَّبِيرُ: أَهْلُ بَيْتٍ بِالْحِجَازِ لَا مَالَ لَهُمْ، فَاسْتَوْهَبَ ثَابِتٌ مَالَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَهَبَهُ لَهُ، فَمَنَّ عَلَيْهِ بِالْجَمِيعِ.
فَقَالَ الزَّبِيرُ: أَيْ ثَابِتُ، مَا فَعَلَ الَّذِي كَانَ وَجْهُهُ مِرْآةً صَقِيلَةً، يَتَرَاءَى فِيهَا عَذَارَى الْحَيِّ؛ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ؟ قَالَ: قُتِلَ. قَالَ: فَمَا فَعَلَ سَيِّدُ الْحَاضِرِ وَالْبَادِي؛ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ؟ قَالَ: قُتِلَ. قَالَ: فَمَا فَعَلَ مُقَدِّمَتُنَا إِذَا شَدَدْنَا، وَحَامِيَتُنَا إِذَا كَرَرْنَا؛ عَزَّالُ بْنُ سَمْوَالَ؟ قَالَ. قُتِلَ. قَالَ: فَمَا فَعَلَ الْمَجْلِسَانِ؟ يَعْنِي بَنِي كَعْبِ بْنِ قُرَيْظَةَ، وَبَنِي عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ. قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute