أَصْنَامَكُمْ فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا. فَلَمَّا دَخَلَتِ السَّنَةُ الَّتِي ذَكَرُوا حَبَسَ نُمْرُودُ الْحَبَالَى عِنْدَهُ إِلَّا أُمَّ إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِحَبَلِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهَا أَثَرُهُ، فَذَبَحَ كُلَّ غُلَامٍ وُلِدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. فَلَمَّا وَجَدَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ الطَّلْقَ خَرَجَتْ لَيْلًا إِلَى مَغَارَةٍ كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْهَا فَوَلَدَتْ إِبْرَاهِيمَ، وَأَصْلَحَتْ مِنْ شَأْنِهِ مَا يُصْنَعُ بِالْمَوْلُودِ، ثُمَّ سَدَّتْ عَلَيْهِ الْمَغَارَةَ، ثُمَّ سَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا رَاجِعَةً، ثُمَّ كَانَتْ تُطَالِعُهُ لِتَنْظُرَ مَا فَعَلَ، فَكَانَ يَشِبُّ فِي الْيَوْمِ مَا يَشِبُّ غَيْرُهُ فِي الشَّهْرِ، وَكَانَتْ تَجِدُهُ حَيًّا يَمُصُّ إِبْهَامَهُ جَعَلَ اللَّهُ رِزْقَهُ فِيهَا.
وَكَانَ آزَرُ سَأَلَ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ عَنْ حَمْلِهَا فَقَالَتْ: وَلَدْتُ غُلَامًا فَمَاتَ، فَصَدَّقَهَا، وَقِيلَ: بَلْ عَلِمَ آزَرُ بِوِلَادَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَكَتَمَهُ حَتَّى نَسِيَ الْمَلِكُ ذِكْرَ ذَلِكَ، فَقَالَ آزَرُ: إِنَّ لِيَ ابْنًا قَدْ خَبَّأْتُهُ أَفَتَخَافُونَ عَلَيْهِ الْمَلِكَ إِنْ أَنَا جِئْتُ بِهِ؟ فَقَالُوا: لَا. فَانْطَلَقَ فَأَخْرَجَهُ مِنَ السَّرَبِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى الدَّوَابِّ، وَإِلَى الْخَلْقِ، وَلَمْ يَكُنْ رَأَى قَبْلَ ذَلِكَ غَيْرَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، جَعَلَ يَسْأَلُ أَبَاهُ عَمَّا يَرَاهُ، فَيَقُولُ أَبُوهُ: هَذَا بَعِيرٌ، أَوْ بَقَرَةٌ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. فَقَالَ: مَا لِهَؤُلَاءِ الْخَلْقِ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ رَبٌّ! وَكَانَ خُرُوجُهُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا هُوَ بِالْكَوْكَبِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي، فَقَالَ: {هَذَا رَبِّي} [الأنعام: ٧٦] . فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ غَابَ، فَقَالَ: {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} [الأنعام: ٧٦] . وَكَانَ خُرُوجُهُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَلِهَذَا رَأَى الْكَوْكَبَ قَبْلَ الْقَمَرِ.
وَقِيلَ: كَانَ تَفَكَّرَ وَعُمُرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ شَهْرًا، قَالَ لِأُمِّهِ وَهُوَ فِي الْمَغَارَةِ أَخْرِجِينِي أَنْظُرْ، فَأَخْرَجَتْهُ عِشَاءً فَنَظَرَ فَرَأَى الْكَوْكَبَ وَتَفَكَّرَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَقَالَ فِي الْكَوْكَبِ مَا تَقَدَّمَ، {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} [الأنعام: ٧٧] . فَلَمَّا جَاءَ النَّهَارُ وَطَلَعَتِ الشَّمْسُ رَأَى نُورًا أَعْظَمَ مِنْ كُلِّ مَا رَأَى فَقَالَ: {هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} [الأنعام: ٧٨] . ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى أَبِيهِ وَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ وَبَرِئَ مِنْ دِينِ قَوْمِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُنَادِهِمْ بِذَلِكَ، فَأَخْبَرَتْهُ أُمُّهُ بِمَا كَانَتْ صَنَعَتْ مِنْ كِتْمَانِ حَالِهِ، فَسَّرَهُ ذَلِكَ.
وَكَانَ آزَرُ يَصْنَعُ الْأَصْنَامَ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا وَيُعْطِيهَا إِبْرَاهِيمَ لِيَبِيعَهَا، فَكَانَ إِبْرَاهِيمُ يَقُولُ: مَنْ يَشْتَرِي مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ؟ فَلَا يَشْتَرِيهَا مِنْهُ أَحَدٌ، وَكَانَ يَأْخُذُهَا، وَيَنْطَلِقُ بِهَا إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute