الْجَنْدَلِ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا مِنْ كِنْدَةَ، فَقَالَ لِخَالِدٍ: إِنَّكَ تَجِدُهُ يَصِيدُ الْبَقَرَ» . فَخَرَجَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ حِصْنِهِ عَلَى مَنْظَرِ الْعَيْنِ، وَأُكَيْدِرُ عَلَى سَطْحِ دَارِهِ، فَبَاتَتِ الْبَقَرُ تَحُكُّ بِقُرُونِهَا بَابَ الْحِصْنِ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: هَلْ رَأَيْتَ مِثْلَ هَذَا قَطُّ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، ثُمَّ نَزَلَ وَرَكِبَ فَرَسَهُ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ يَطْلُبُ الْبَقَرَ، فَتَلَقَّتْهُمْ خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخَذَتْهُ، وَقَتَلُوا أَخَاهُ حَسَّانًا، «وَأَخَذَ خَالِدٌ مِنْ أُكَيْدِرَ قَبَاءَ دِيبَاجٍ مُخَوَّصٍ بِالذَّهَبِ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَلْمِسُونَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا؟ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا» . وَقَدِمَ خَالِدٌ بِأُكَيْدِرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحُقِنَ دَمُهُ وَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَةِ، وَخَلَّى سَبِيلَهُ.
وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَبُوكَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَلَمْ يُجَاوِزْهَا، وَلَمْ يُقْدِمْ عَلَيْهِ الرُّومُ وَالْعَرَبُ الْمُتَنَصِّرَةُ، فَعَادَ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَكَانَ فِي الطَّرِيقِ مَاءٌ يَخْرُجُ مِنْ وَشَلٍ لَا يَرْوِي إِلَّا الرَّاكِبَ وَالرَّاكِبَيْنِ، بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ: وَادِي الْمُشَقَّقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَبَقَنَا فَلَا يَسْتَقِيَنَّ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى نَأْتِيَهُ. فَسَبَقَهُ نَفَرٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فَاسْتَقَوْا مَا فِيهِ، فَلَمَّا جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرُوهُ بِفِعْلِهِمْ، فَلَعَنَهُمْ وَدَعَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِ فَوَضَعَ يَدَهُ تَحْتَهُ، وَجَعَلَ يَصُبُّ إِلَيْهَا يَسِيرًا مِنَ الْمَاءِ، فَدَعَا فِيهِ وَنَضَحَهُ فِي الْوَشَلِ، فَانْخَرَقَ الْمَاءُ جَرْيًا شَدِيدًا، فَشَرِبَ النَّاسُ وَاسْتَقَوْا» . وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى قَارَبَ الْمَدِينَةَ، فَأَتَاهُ خَبَرُ مَسْجِدِ الضِّرَارِ، فَأَرْسَلَ مَالِكَ بْنَ الدُّخْشُمِ فَحَرَقَهُ وَهَدَمَهُ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: ١٠٧] الْآيَاتِ. وَكَانَ الَّذِينَ بَنَوْهُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، وَكَانَ قَدْ أُخْرِجَ مِنْ دَارِ خِذَامِ بْنِ خَالِدٍ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ.
وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْهُ رَهْطٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَأَتَوْهُ يَحْلِفُونَ لَهُ وَيَعْتَذِرُونَ، فَصَفَحَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَعْذُرْهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَتَخَلَّفَ أُولَئِكَ النَّفَرُ الثَّلَاثَةُ، وَهُمْ: كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَمُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ، تَخَلَّفُوا مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا نِفَاقٍ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كَلَامِهِمْ، فَاعْتَزَلَهُمُ النَّاسُ، فَبَقُوا كَذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُمْ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ} [التوبة: ١١٨]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute