يَدَكَ أُبَايِعْكَ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ شِئْتَ لَأَمْلَأَنَّهَا عَلَيْهِ خَيْلًا وَرَجْلًا. فَأَبَى عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ الْمُتَلَمِّسِ:
وَلَنْ يُقِيمَ عَلَى خَسْفٍ يُرَادُ بِهِ ... إِلَّا الْأَذَلَّانِ عَيْرُ الْحَيِّ وَالْوَتَدُ
هَذَا عَلَى الْخَسْفِ مَعْكُوسٌ بِرُمَّتِهِ ... وَذَا يُشَجُّ فَلَا يَبْكِي لَهُ أَحَدُ
فَزَجَرَهُ عَلِيٌّ وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّكَ مَا أَرَدْتَ بِهَذَا إِلَّا الْفِتْنَةَ، وَإِنَّكَ وَاللَّهِ طَالَمَا بَغَيْتَ لِلْإِسْلَامِ شَرًّا! لَا حَاجَةَ لَنَا فِي نَصِيحَتِكَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنْتُ أُقْرِئُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ الْقُرْآنَ، فَحَجَّ عُمَرُ وَحَجَجْنَا مَعَهُ، فَقَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ: شَهِدْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ بِمِنًى، وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: سَمِعْتُ فُلَانًا يَقُولُ: لَوْ مَاتَ عُمَرُ لَبَايَعْتُ فُلَانًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ أُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْتَصِبُوا النَّاسَ أَمْرَهُمْ. قَالَ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رِعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، وَهُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى مَجْلِسِكَ، وَأَخَافُ أَنْ تَقُولَ مَقَالَةً لَا يَعُوهَا وَلَا يَحْفَظُوهَا وَيَطَّيَّرُوا بِهَا، وَلَكِنْ أَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةِ، وَتَخْلُصَ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَقُولَ مَا قُلْتَ، فَيَعُوا مَقَالَتَكَ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَقُومَنَّ بِهَا أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ.
قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ هَجَرْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَلَمَّا جَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الرَّجْمَ وَمَا نُسِخَ مِنَ الْقُرْآنِ فِيهِ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا مِنْكُمْ يَقُولُ: لَوْ مَاتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بَايَعْتُ فُلَانًا، فَلَا يَغُرَّنَّ امْرَأً أَنْ يَقُولَ: إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فِتْنَةً، فَقَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ وَلَكِنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ إِلَيْهِ الْأَعْنَاقُ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَإِنَّهُ كَانَ خَيْرَنَا حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَمَنْ مَعَهُمَا تَخَلَّفُوا عَنَّا فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ، وَتَخَلَّفَ عَنَّا الْأَنْصَارُ، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لَهُ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نَحْوَهُمْ، فَلَقِيَنَا رَجُلَانِ صَالِحَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ، أَحَدُهُمَا عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، وَالثَّانِي مَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ، فَقَالَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute