لِبَعْضٍ، وَفِيهِمْ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَكَانَ نَقِيبًا: وَاللَّهِ لَئِنْ وَلِيَتْهَا الْخَزْرَجُ مَرَّةً لَا زَالَتْ لَهُمْ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ الْفَضِيلَةُ، وَلَا جَعَلُوا لَكُمْ فِيهَا نَصِيبًا أَبَدًا، فَقُومُوا فَبَايِعُوا أَبَا بَكْرٍ. فَبَايَعُوهُ، فَانْكَسَرَ عَلَى سَعْدٍ وَالْخَزْرَجِ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ، وَأَقْبَلَ النَّاسُ يُبَايِعُونَ أَبَا بَكْرٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ.
ثُمَّ تَحَوَّلَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ إِلَى دَارِهِ فَبَقِيَ أَيَّامًا، وَأُرْسِلَ إِلَيْهِ لِيُبَايِعَ، فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ بَايَعُوا، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ، حَتَّى أَرْمِيَكُمْ بِمَا فِي كِنَانَتِي، وَأَخْضِبَ سِنَانَ رُمْحِي، وَأَضْرِبَ بِسَيْفِي، وَأُقَاتِلَكُمْ بِأَهْلِ بَيْتِي وَمَنْ أَطَاعَنِي، وَلَوِ اجْتَمَعَ مَعَكُمُ الْجِنُّ وَالْأِنْسُ مَا بَايَعْتُكُمْ حَتَّى أُعْرَضَ عَلَى رَبِّي. فَقَالَ عُمَرُ: لَا تَدْعُهُ حَتَّى يُبَايِعَ. فَقَالَ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: إِنَّهُ قَدْ لَجَّ وَأَبَى، وَلَا يُبَايِعُكُمْ حَتَّى يُقْتَلَ، وَلَيْسَ بِمَقْتُولٍ حَتَّى يُقْتَلَ مَعَهُ أَهْلُهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ عَشِيرَتِهِ، وَلَا يَضُرُّكُمْ تَرْكُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ وَاحِدٌ. فَتَرَكُوهُ.
وَجَاءَتْ أَسْلَمُ فَبَايَعَتْ، فَقَوِيَ أَبُو بَكْرٍ بِهِمْ، وَبَايَعَ النَّاسُ بَعْدُ.
قِيلَ إِنَّ عُمَرَ بْنَ حُرَيْثٍ قَالَ لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ: مَتَى بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: يَوْمَ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرِهُوا أَنْ يَبْقُوا بَعْضَ يَوْمٍ وَلَيْسُوا فِي جَمَاعَةٍ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: بَقِيَ عَلِيٌّ وَبَنُو هَاشِمٍ وَالزُّبَيْرُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ لَمْ يُبَايِعُوا أَبَا بَكْرٍ حَتَّى مَاتَتْ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَبَايَعُوهُ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ مِنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَبَايَعَهُ النَّاسُ بَيْعَةً عَامَّةً، ثُمَّ تَكَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ وُلِّيتَ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، فَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي، وَإِنْ أَسَأْتُ فَقَوِّمُونِي، الصِّدْقُ أَمَانَةٌ، وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ، وَالضَّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيٌّ عِنْدِي حَتَّى آخُذَ لَهُ حَقَّهُ، وَالْقَوِيُّ ضَعِيفٌ عِنْدِي حَتَّى آخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، لَا يَدَعُ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْجِهَادَ، فَإِنَّهُ لَا يَدَعُهُ قَوْمٌ إِلَّا ضَرَبَهُمُ اللَّهُ بِالذُّلِّ، أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِذَا عَصْيَتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ، قُومُوا إِلَى صَلَاتِكُمْ - رَحِمَكُمُ اللَّهُ -.
(أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَضْمُومَةِ، وَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَآخِرُهُ رَاءٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute