بْنُ يُحَنَّسَ الْأَزْدِيُّ، قَالَ جِشْنَسُ الدَّيْلَمِيُّ: فَجَاءَتْنَا كُتُبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا بِقِتَالِهِ، إِمَّا مُصَادَمَةً أَوْ غِيلَةً - يَعْنِي إِلَيْهِ، وَإِلَى فَيْرُوزَ وَدَاذَوَيْهِ - وَأَنْ نُكَاتِبَ مَنْ عِنْدَهُ دِينٌ. فَعَمِلْنَا فِي ذَلِكَ، فَرَأَيْنَا أَمْرًا كَثِيفًا، وَكَانَ قَدْ تَغَيَّرَ لِقَيْسِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، فَقُلْنَا: إِنَّ قَيْسًا يَخَافُ عَلَى دَمِهِ، فَهُوَ لِأَوَّلِ دَعْوَةٍ، فَدَعَوْنَاهُ وَأَبْلَغْنَاهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَأَنَّمَا نَزَلْنَا عَلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ، فَأَجَابَنَا، وَكَاتَبْنَا النَّاسَ. فَأَخْبَرَهُ الشَّيْطَانُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَدَعَا قَيْسًا فَأَخْبَرَهُ أَنَّ شَيْطَانَهُ يَأْمُرُهُ بِقَتْلِهِ؛ لِمَيْلِهِ إِلَى عَدُوِّهِ، فَحَلَفَ قَيْسٌ: لَأَنْتَ أَعْظَمُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ أُحَدِّثَ نَفْسِي بِذَلِكَ. ثُمَّ أَتَانَا فَقَالَ: يَا جِشْنَسُ، وَيَا فَيْرُوزُ، وَيَا دَاذَوَيْهِ، فَأَخْبَرَنَا بِقَوْلِ الْأَسْوَدِ. فَبَيْنَا نَحْنُ مَعَهُ يُحَدِّثُنَا إِذْ أَرْسَلَ إِلَيْنَا فَتَهَدَّدَنَا، فَاعْتَذَرْنَا إِلَيْهِ وَنَجَوْنَا مِنْهُ وَلَمْ نَكَدْ، وَهُوَ مُرْتَابٌ بِنَا وَنَحْنُ نُحَذِّرُهُ. فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ إِذْ جَاءَتْنَا كُتُبُ عَامِرِ بْنِ شَهْرٍ، وَذِي زُودٍ، وَذِي مُرَّانَ، وَذِي الْكُلَاعِ، وَذِي ظُلَيْمٍ، يَبْذُلُونَ لَنَا النَّصْرَ، فَكَاتَبْنَاهُمْ وَأَمَرْنَاهُمْ أَنْ لَا يَفْعَلُوا شَيْئًا حَتَّى نُبْرِمَ أَمْرَنَا، وَإِنَّمَا اهْتَاجُوا لِذَلِكَ حِينَ كَاتَبَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَتَبَ أَيْضًا إِلَى أَهْلِ نَجْرَانَ فَأَجَابُوهُ، وَبَلَغَ ذَلِكَ الْأَسْوَدُ، وَأَحَسَّ بِالْهَلَاكِ.
قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى آزَادَ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ الَّتِي تَزَوَّجَهَا بَعْدَ قَتْلِ زَوْجِهَا شَهْرِ بْنِ بَاذَانَ، فَدَعَوْتُهَا إِلَى مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، وَذَكَّرْتُهَا قَتْلَ زَوْجِهَا شَهْرٍ وَإِهْلَاكَ عَشِيرَتِهَا، وَفَضِيحَةَ النِّسَاءِ. فَأَجَابَتْ وَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا خَلَقَ اللَّهُ شَخْصًا أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ، مَا يَقُومُ لِلَّهِ عَلَى حَقٍّ، وَلَا يَنْتَهِي عَنْ مُحَرَّمٍ، فَأَعْلِمُونِي أَمْرَكُمْ أُخْبِرْكُمْ بِوَجْهِ الْأَمْرِ. قَالَ: فَخَرَجْتُ وَأَخْبَرْتُ فَيْرُوزَ وَدَاذَوَيْهِ وَقَيْسًا. قَالَ: وَإِذْ قَدْ جَاءَ رَجُلٌ فَدَعَا قَيْسًا إِلَى الْأَسْوَدِ، فَدَخَلَ فِي عَشَرَةٍ مِنْ مَذْحِجٍ وَهَمْدَانَ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَتْلِهِ مَعَهُمْ وَقَالَ لَهُ: أَلَمْ أُخْبِرْكَ الْحَقَّ، وَتُخْبِرُنِي الْكَذِبَ؟ إِنَّهُ - يَعْنِي شَيْطَانَهُ - يَقُولُ لِي: إِلَّا تَقْطَعْ مِنْ قَيْسٍ يَدَهُ يَقْطَعْ رَقَبَتَكَ. فَقَالَ قَيْسٌ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْحَقِّ أَنْ أَهْلَكَ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، فَمُرْنِي بِمَا أَحْبَبْتَ أَوِ اقْتُلْنِي، فَمَوْتُةُ أَهْوَنُ مِنْ مَوْتَاتٍ.
فَرَقَّ لَهُ وَتَرَكَهُ، وَخَرَجَ قَيْسٌ فَمَرَّ بِنَا وَقَالَ: اعْمَلُوا عَمَلَكُمْ. وَلَمْ يَقْعُدْ عِنْدَنَا.
فَخَرَجَ عَلَيْنَا الْأَسْوَدُ فِي جَمْعٍ، فَقُمْنَا لَهُ وَبِالْبَابِ مِائَةٌ، مَا بَيْنَ بَقَرَةٍ وَبَعِيرٍ، فَنَحَرَهَا ثُمَّ خَلَّاهَا، ثُمَّ قَالَ: أَحَقٌّ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ يَا فَيْرُوزُ؟ - وَبَوَّأَ لَهُ الْحَرْبَةَ - لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْحَرَكَ. فَقَالَ: اخْتَرْتَنَا لِصِهْرِكَ وَفَضَّلْتَنَا، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ نَبِيًّا لَمَا بِعْنَا نَصِيبَنَا مِنْكَ بِشَيْءٍ، فَكَيْفَ وَقَدِ اجْتَمَعَ لَنَا بِكَ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ! فَقَالَ لَهُ: اقْسِمْ هَذِهِ، فَقَسَمَهَا، وَلَحِقَ بِهِ وَهُوَ يَسْمَعُ سَعَايَةَ رَجُلٍ بِفَيْرُوزَ، وَهُوَ يَقُولُ لَهُ: أَنَا قَاتِلُهُ غَدًا وَأَصْحَابَهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا فَيْرُوزُ، فَأَخْبَرَهُ بِقِسْمَتِهَا، وَدَخَلَ الْأَسْوَدُ وَرَجَعَ فَيْرُوزُ فَأَخْبَرَنَا الْخَبَرَ، فَأَرْسَلْنَا إِلَى قَيْسٍ فَجَاءَنَا، فَاجْتَمَعْنَا عَلَى أَنْ أَعُودَ إِلَى الْمَرْأَةِ فَأُخْبِرَهَا بِعَزِيمَتِنَا وَنَأْخُذُ رَأْيَهَا، فَأَتَيْتُهَا فَأَخْبَرْتُهَا، فَقَالَتْ: هُوَ مُتَحَرِّزٌ، وَلَيْسَ مِنَ الْقَصْرِ شَيْءٌ إِلَّا وَالْحَرَسُ مُحِيطُونَ بِهِ غَيْرَ هَذَا الْبَيْتِ، فَإِنَّ ظَهْرَهُ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute