وَحَضْرَمَوْتَ. فَكَتَبَ إِلَى شُرَحْبِيلَ بِالْمُقَامِ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ خَالِدٌ، فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ مُسَيْلِمَةَ تَلْحَقُ بِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ تُعِينُهُ عَلَى قُضَاعَةَ.
فَلَمَّا رَجَعَ خَالِدٌ مِنَ الْبُطَاحِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ - قَبِلَ عُذْرَهُ وَرَضِيَ عَنْهُ، وَوَجَّهَهُ إِلَى مُسَيْلِمَةَ، وَأَوْعَبَ مَعَهُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ، وَعَلَى الْأَنْصَارِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَعَلَى الْمُهَاجِرِينَ أَبُو حُذَيْفَةَ وَزَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَقَامَ خَالِدٌ بِالْبُطَاحِ يَنْتَظِرُ وُصُولَ الْبَعْثِ إِلَيْهِ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَيْهِ سَارَ إِلَى الْيَمَامَةِ، وَبَنُو حَنِيفَةَ يَوْمَئِذٍ كَثِيرُونَ، كَانَتْ عِدَّتُهُمْ أَرْبَعِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ، وَعَجَّلَ شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ، وَبَادَرَ خَالِدًا بِقِتَالِ مُسَيْلِمَةَ، فَنُكِبَ، فَلَامَهُ خَالِدٌ، وَأَمَدَّ أَبُو بَكْرٍ خَالِدًا بِسَلِيطٍ؛ لِيَكُونَ رِدْءًا لَهُ، لِئَلَّا يُؤْتَى مِنْ خَلْفِهِ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: لَا أَسْتَعْمِلُ أَهْلَ بَدْرٍ، أَدَعُهُمْ حَتَّى يَلْقَوُا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ بِهِمْ وَبِالصَّالِحِينَ أَكْثَرَ مِمَّا يَنْتَصِرُ بِهِمْ. وَكَانَ عُمَرُ يَرَى اسْتِعْمَالَهُمْ عَلَى الْجُنْدِ وَغَيْرِهِ.
وَكَانَ مَعَ مُسَيْلِمَةَ نَهَارٌ الرَّجَّالُ بْنُ عُنْفُوَةَ، وَكَانَ قَدْ هَاجَرَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، وَفُقِّهَ فِي الدِّينِ، وَبَعَثَهُ مُعَلِّمًا لِأَهْلِ الْيَمَامَةِ، وَلْيَشْغَبْ عَلَى مُسَيْلِمَةَ، فَكَانَ أَعْظَمَ فِتْنَةً عَلَى بَنِي حَنِيفَةَ مِنْ مُسَيْلِمَةَ، شَهِدَ أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إِنَّ مُسَيْلِمَةَ قَدْ أُشْرِكَ مَعَهُ، فَصَدَّقُوهُ وَاسْتَجَابُوا لَهُ، وَكَانَ مُسَيْلِمَةُ يَنْتَهِي إِلَى أَمْرِهِ، وَكَانَ يُؤَذِّنُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ النَّوَّاحَةِ، وَالَّذِي يُقِيمُ لَهُ حُجَيْرُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَكَانَ حُجَيْرٌ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ: أَفْصِحْ حُجَيْرُ، فَلَيْسَ فِي الْمُجَمْجَمَةِ خَيْرٌ. وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ قَالَهَا.
وَكَانَ مِمَّا جَاءَ بِهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ وَحْيٌّ: يَا ضُفْدَعُ بِنْتَ ضُفْدَعْ، نُقِّي مَا تُنَقِّينْ، أَعْلَاكِ فِي الْمَاءْ، وَأَسْفَلُكِ فِي الطِّينْ، لَا الشَّارِبَ تَمْنَعِينْ، وَلَا الْمَاءَ تُكَدِّرِينْ.
وَقَالَ أَيْضًا: وَالْمُبْدَيَاتِ زَرْعًا، وَالْحَاصِدَاتِ حَصْدًا، وَالذَّارِيَاتِ قَمْحًا، وَالطَّاحِنَاتِ طَحْنًا، وَالْخَابِزَاتِ خُبْزًا، وَالثَّارِدَاتِ ثَرْدًا، وَاللَّاقِمَاتِ لُقْمًا، إِهَالَةً وَسَمْنًا، لَقَدْ فُضِّلْتُمْ عَلَى أَهْلِ الْوَبَرِ، وَمَا سَبَقَكُمْ أَهْلُ الْمَدَرِ، رِيقُكُمْ فَامْنَعُوهُ، وَالْمُعْيِيَ فَأَوُّوهُ، وَالْبَاغِي فَنَاوِئُوهُ. وَأَتَتْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute