للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرط فيه تبرع آخر، وأحد التبرعين لا يبطل ببطلان الثَّاني، كما لو أقرضه الصِّحَاح بشرط رد المكسرة يلغو الشرط ويصح القرض، وإنْ كان الرَّهْن مشروطاً في بيع، نظر إن لم يجر الشرط جَهَالة الثمن، كما إذا شرط في البيع رهناً عن أنه يبقى محبوساً عنده بعد أداء الثمن شهراً، ففي إفساد الرَّهْن القولان في رهن التَّبَرع، فإنْ فسد ففي فساد البيع القولان، في أنَّ الرَّهْن وسائر العقود المستقلة، إذا شرطت في البيع على نعت الفساد، هل تفسد البيع؟

وقد ذكرناهما في باب البَيَاعات المنهي عنها.

فإن قلنا بصحة البيع فللبائع الخيار، صح الرَّهْن أو فسد؛ لأنه إنْ صح لا يسلم له الشرط، وإنْ لم يصح فلا يسلم له أصل الرَّهْن، ولو جرّ الشرط جهالة الثمن، كما إذا شرط في البيع رهناً، وشرط أن يكون منافعه وزوائده للمرتهن فالبيع باطل؛ لأن المشروط استحقاقه يصير من الثمن وهو مجهول، وإذا بطل البيع بطل الرَّهْن والشرط لا محالة، هذا ما نقله الرَّبِيع واتفق عليه الجماهير، ووراءه كلامان:

أحدهما: نقل المزني في المسألة: أن للبائع الخيار في فسخ البيع وإثباته، وحسبت أنه ذهب إلى تصحيح العقد، إذا حذف منه الشرط الفاسد، واعترض عليه بأنه خلاف أصله في أن الفاسد لا خيار فيه، والأصحاب خطئوه في نقله وحسبانه.

والثَّاني: أن القاضي ابن كَجٍّ حكى طريقة أخرى أنَّ في فساد الرَّهْن قولين، وإن فسد ففي فساد البيع قولان كما سبق، وكلام ثالث حسن استدركه أصحابنا العِرَاقيون: وهو أنَّ الحكم بالبطلان فيما إذا أطلق، وقال: بعتك هذا العبد بِأَلْف لترهن به دارك وتكون منفعتها لي، فأما إذا قيد وقال: تكون منفعتها لي سنة أو شهراً، فهذا جمع بين البيع والإجارة في صَفْقَة واحدة وقد سبق حكمه.

النوع الثاني: ما ينفع الراهن ويضر المُرْتَهن، كما لو قال: رهنتك بشرط أنْ لا تبيعه عند المحل، أو لا تبيعه بعد المحل، إلاَّ إذا مضى شهر، أو إلاَّ بما أرضى أو بأكثر، من ثمن المِثْل فهو فاسد مفسد للرهن، وفي كتاب القاضي ابن كَجٍّ أن ابن خَيْرَانَ قال: يجيء في إفساد الرَّهْن القولان المذكوران في النوع الأول، وهو غريب والفرق على المذهب أن ما ينفع المرتهن يزيد في الوثيقة، ويؤكد ما وضع العقد له، وما يضره يجل به، فإنْ كان الرَّهْن مشروطاً في بيع، عاد القول في فساده بفساد الرَّهْن المشروط، فإنْ لم يفسد فللبائع الخيار.

قال الغزالي: وَإذَا قَالَ: رَهَنْتُكَ الأشْجَارَ بِشَرْطِ أَنْ تُحْدِثَ الثِّمَارَ مَرْهُونَةً فَفِي صِحَّةِ الشَرْطِ قَوْلاَنِ، وَلَو شُرِطَ عَلَيْهِ رَهْنٌ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ فَظَنَّ لُزُومَ الوَفَاءِ بِهِ فَرَهَنَ فَلَهُ (و)

<<  <  ج: ص:  >  >>