للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبل الوطء، انحلت اليمين؛ لأنه تحقق امتناع الحنث، ولا نظر إلى تصور الإيلاج بعد الموت؛ فإنَّ اسم الوطء يُطْلَق على ما يقع في الحياة، وفي كتاب القاضي ابن كج ورواية الشيخ أبي علي -رحمهما الله-: أن البِرَّ والحنث يتعلقان بوطء الميتة أيضاً، وأشار بعضهم إلى وجه فارق [بين] (١) ما قبل الدفن وما بعده، ولا أَثَر لِمَوْت بعْضهم بعْد الوطء.

قال الإِمام: والذي أراه أن الاتيان في غير المأتَي كهو في المأتي؛ في حصول الحنث (٢)، ولو طلقهن أو بعضهن قبل الوطء، لم تنحل اليمين، بل تجب الكفارة بالوطء بعد البينونة، وإن كان زنا؛ لأن الاسم يشمل الحلال والحرام، وأما الإيلاء، فقد نقل المزنيُّ -رحمه الله- في المسألة أنَّه يكون مُولِيًا عنهم كلهن، ويُوقَف لكل واحدة منهن، واعترض عليه، وقال: القياس أنه ليس بمُولٍ حتى يطأ ثلاثة منْهن، فيكون مُولِيًا من الرابعة، وهذا بقوله أوْلَى، وللأصحاب في نقله واعتراضه ثلاثةُ طرق:

أحَدُها: قال أبو إسحاق وجماعة: المَذْهَب ما قاله المزنيُّ أنه لا يلزمه شَيْءٌ بوطء ثلاث منهن، وإنما الحنث بوطء الرابعة، وأولوا ما نقله على أنه خالف على وطئهن [و]


(١) سقط في ز.
(٢) قال النووي: هذا الذي قاله الإِمام متفق عليه، صرح به جماعات من أصحابنا، وقد نقله صاحب "الحاوي" و"البيان" عن الأصحاب في القاعدة التي قدمتها، أن الأصحاب قالوا: الوطء في الدبر كهو في القبل، إلا في سبعة أحكام أو خمسة، ليست اليمين منهما، والله أعلم.
قال الشيخ البلقيني: ما قاله الإِمام غير متفق عليه، بل مقتضى كلام المصنف أن الراجح خلافه، وبيان ذلك أن أقضى القضاة الماوردي ذكر في كتاب الأيمان أن اليمين إذا كانت في حكم عام اللفظ خاص المعنى، فإن ذلك التخصيص يكون بأحد خمسة أوجه: إما بتخصيص بالعقل أو بالشرع أو بالعرف أو بالاستثناء أو بالنية، ثم لما أخذ في الكلام على التخصيص بالشرع ذكر أنه على ضربين: اسم وحكم، ثم لما تكلم على الحكم قال مثل لحم الخنزير يرخص بالتحريم من عموم اللحوم المباحة، ففي تخصيص العموم به في الأيمان وجهان:
أحدهما: يخص عمومه بالحكم الشرع كما خص الاسم الشرع فلا يحنث إذا حلف لا يأكل اللحم باللحوم المحرمة، ولو حلف لا يطأ لم يحنث بالوطء في الدبر أو ليطأن لا يبر إلا بالقبل. قال والوجه الثاني: إنه لا تخصيص عموم الأيمان بالاحكام الشرعية فيحنث في اللحم بكل لحم، وفي الوطء بكل وطء، وهذا الوجه الثاني هو الذي رآه الأئمة ثم إن المصنف رجح في باب الإيمان في مسألة الحنث باللحوم المحرمة فيما إذا أطلق الحلف على اللحوم بعد أن حكى وجهين فقال: رجح الشيخ أبو حامد والروياني المنع، والقفال وغيره الحنث، قلت المنع أقوى. والله أعلم، فمقتضاه ترجيح الوجه القائل بأنه عموم اليمين تخصيص بأحكام الشرع وهو الوجه القائل بأنه لا يحنث بالوطء في الدبر فليعلم أن في المسألة وجهين؛ فإن المصنف اقتضى كلامه ترجيح خلاف مقالة الإِمام. انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>