للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجوز أن تبلغ حكومتها ديةَ عُضْوِ مقدَّر؛ كاليد، والرِّجْل، وأن تزاد عليها، وإنما تنقص عن دية النفس، وَعَدَّ صاحبا "التهذيب"، و"التتمة" من هذا القبيل الساعِدَ والعَضُدَ؛ حتى يجوز أن تبلُغَ حكومةُ الجراحةِ عليها ديةَ الأصابع الخمس، وأن يزاد عليها وسوَّى بينهما في الكتاب، وبين الكفِّ، والأول أصحُّ؛ فإن الكف [هي التي] تتبع الأصابع دون الساعد، والعضد حتى لو قطع من الكوع، وجَبَ عليه ما يجب في لفظ الأصابع، ولو قطع من المرفق، أو من أصْلِ العضُدِ، وجبت مع الديةِ حكومةُ السَّاعد، أو العضد.

وقوله في الكتاب في جواب السائل عن معنى الحكومة: "أنْ يقدَّر المجنىُّ عليه عبْداً ... " إلى آخره، لفظ يحتاجُ إلى التأويل إذ ليست الحكومةُ عبارة عن تقديره عبدًا (١)، وإنما هي جزء من الدية يعرف قدره بالتقدير المذكور.

وقوله:"بشَرْط ألاَّ يَزِيدَ عَلَى مِقْدَارِ الطَّرَفِ المَجْرُوحِ"، أي: إذا كان الطَّرفَ المجروحُ له بدلٌ مقدَّر، ثم لفظ "عدم الزيادة" هاهنا، وفي قوله: "فَلاَ تُزَادُ حُكُومَة جِرَاحَةِ الأُصْبُعِ" غيرُ وافٍ بالغرض؛ إذ لا يكفي أَلاَّ يزاد، بل يجب أن ينقص؛ كما ينقص التعزير عن الحد، والرضخ عن سهم الغنيمة.

قال الإِمام: ولا يجوز أن يقال: يكتفَى فِي الحطِّ بأقل القليل، فإن أمر الجناياتِ وأحكامِ الدماء لا يجري إلاَّ عَلَى محقَّقٍ، ولو قال قائل: نَضْبِطُ نِسْبَةٌ النّقْصَانِ الحَاصِل بالجنايةِ على العضْوِ، مع بقاء العضْو، ثم يقدر النقصان بفَوَات العضو، ويحط مثل (٢) النسبة الواقِعَةِ بيْنَ النقصانَيْنِ، كان ذلك وجهاً (٣) من الرأي جيداً.

مثاله: القيمة مائة، والنقصانُ بسبب الجراحةِ على الأصبع عَشَرة، والنقصان لو فات الأصْبُع عشرُونَ، فيحط من عُشْر الدية نصفه، وليعلم بالواو لفظ "السَّاعِد وعَظْم العَضُد"؟ لما بيَّناه.

قال الغَزَالِيُّ: وَهَذِهِ الحُكُومَة تُقَدَّرُ بَعْدَ انْدمَالِ الجُرْحِ، فَلَوْ لَمْ يَبْقَ شَيْنٌ وَنُقْصَانْ لَمْ يَجِبْ إلاَّ التَّعْزِيرُ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وَقِيلَ: تُقَدَّرُ الجِرَاحَةُ دَامِيَةً حَتَّى يَظْهَرَ تَفَاوتُهُ، وَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعاً زَائِدَةً أَو سِنّاً شَاغِيَةً أو أَفْسَدَ المَنْبِتَ مِنْ لِحْيَةِ امْرَأَةٍ وَزَادَتِ القِيمَة فَالْقِيَاسُ التَّعْزِيزُ فَقَطْ، وَقِيلَ يُقَدَّرُ ذَلِكَ لِحْيَةً عَبْدٍ، وَيَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتٌ، وَلَوْ بَقِيَ حَوَالِي جُرْحٍ شَيْنٍ وَكَانَ أَرْشُ الجُرْحِ مُقَدَّراَ فَالشَّيْنُ تَابعٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقَدَّراَ فَفِي إِتْبَاعِهِ وَجْهَانِ يُضَاهِي التَّرَدُّدَ فِي أَنَّ الكَفَّ هَلْ يَنْدَرجُ تَحْتَ أُصْبُعِ الأَشَلِّ؛ لِأَنَّهُ إِدْرَاجُ حُكُومَةِ تَحْتَ حُكُومَةٍ:


(١) في ز: تقدير.
(٢) في ز: وبخط قبل.
(٣) في ز: واجها.

<<  <  ج: ص:  >  >>