قال: إِنه لا يستحق الردَّ عليَّ فيحلف هكذا، وِإن قال: ما أقبضته إلا سلمًا، وأراد أن يحلف على أنَّه لا يستحق الردَّ عليه، لم يمكن عَلَى أظهر الوجهين، بل يلزمه التعرُّض لما أجاب به، وِإنما يفيد هذا الأصل في الدعاوى والبينات، إذا تذكَّرْت ذلك، فالمسألة هاهنا مصوَّرةٌ فيما إِذا أنكر كونه مسمَّى بذلك الاسم، وحينئذٍ، فالقول بأنَّه لا يكفيه الحلف عَلَى أنه لا يلزمه تسليم شيْء إِليه عَلَى هذا الوجه، كأنه ظاهر، إِنما يكفيه ذلك، إِذا كان جوابه في الابتداء، أنه لا يلزمه تسليم شيْء إِليه ونظيره هاهنا: أن يقول المحضر: لا يلزمني تسليم شيْء إِليه، وأراد الحلف عليه، فيشبه أن يمكن منه، وحينئذٍ، فلا فرق بين المسألتين، وإن قامت البينة عَلَى أنه اسمه ونسبه، فقال: نعم، لكني لست المحكُومَ عَلَيْه، فإن لم يوجدْ هناك من يشاركه في الاسم والصفاتِ المذكورةِ، لزمه الحكْمُ؛ لأن الظاهر أَنه المحكوم عليه، وِإن وجد إِما بأن عرفه القاضي أو قامت عليه بَيِّنة، وأحضر الذي يشاركه، ويُسْأَل، فإن اعترف بالحق، طُولِبَ به، وخلص الأول، وإن أنكر، بعث ذلك الحاكمُ إلى الكاتب بما وقع من الإِشكال، حتى يحضر الشاهدَيْن، ويطلب منهما مزيدَ صفَةٍ يتميَّز بها المشهود عليه من غيره، فإِنْ ذكرا مزيدًا، كتب به ثانيًا، وإلا، وقف الأمر حتى ينكشف، ولو أقام المحضر بيِّنةً عَلَى موصوف بتلك الصفات، كان هناك، وقد مات، فإن مات بعد الحكم، فقد وقع الإِشكال، وإنْ مات قبله، فإِن لم يعاصِرْه المحكُومُ، فلا إِشكال، وِإن عاصره فوجهان:
أظهرهما: حصول الإشكال، وبه قال صاحب "التقريب" ووجِّه الثاني بأنه، لو كانت الشهادة على الميت، لتعرَّض الشهود لتعلق الحق بتركته ويذكر ورثته، لكن ربما لم يعرفوا موته، واستصحبوا، فهذا إِذا أثبت القاضي اسم المحكوم عليه ونسبه ووصفه، كما قدَّمْنا أما إِذا اقتصر على قول حكَمْتُ عَلَى محمد أحمد مثَلاً، فالحكم باطلٌ؛ لأن المحكوم عليه مبهم، لم يتعيَّن بإشعار ولا وصف كامل، بخلاف ما إذا استقصى الوصف، ولم يقصر، وظهر اشتراكٌ واشتباهٌ على الندور حتى لو اعترف رجلٌ في بلدِ المكتوب إِلَيْهِ بأنه محمَّد بن أحمد، وأنه المعنيُّ بالكتاب، لم يلزمْهُ ذلك الحُكْمُ لبُطْلانه في نَفْسه، إِلا أن يقر بالحق، فيؤاخذ به، هذا ما نقله الإِمَامُ وصاحب الكتاب وغيرهما، وهو المتوجه إِلا أن في "آداب القاضي" لابْنِ القاصِّ وفي "إِيضاح" أبي عليِّ أنَّه إِذا ورد الكتاب أحضر القاضي المكتوب عليه، وقرأ عليه الكتاب، فإِن أقر أنه المكتوب عليه أخذه به، سواء كان قد رفع في نفسه أو لم يرفع، وذكر صناعته، أو لم يذكر، والله أعلم، ولا شك أنَّه لو شهد الشهود على الحُكْم، كما ينبغي إلا أنه أبهم في الكتاب اسْمَ المكتوب عليه تقبل الشهادةُ، ويعمل بمقتضاها، لِمَا سبق أن الاعتبار بشهادة الشهود لا بالكتابِ.
وقوله في الكتاب "وأما الكتاب المجرَّد من غير شهادةٍ على الحكم فلا أثَرَ لَهُ" هذا قد اندرج في الفصل السابق، ويجوز أن يعلم بالواو والميم؛ لما مَرّ والله أعلم.