للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَوْ شافَهَ القَاضِيَ الآخَرَ لَمْ يَكْفِ لأنَّ السَّامِعَ والمُسْمِعَ لاَ بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وَلاَيَتِهِ فَلا يَصِحُّ سَمَاعُهُ وَلا يَصِحُّ إِسْمَاعُهُ إِلاَّ إِذا جَوَّزْنَا قاضَيْينِ فِي بَلْدَةٍ واحِدَةٍ أَوْ تُنَادَيَا مِنْ طَرَفَيْ وَلاَيَتَهِمَا فَذَلِكَ أَقْوَى مِنَ الشَّهَادَةِ فَيُعْتَمَدُ، أمَّا إِذَا كَانَ المُسْمِعُ فِي مَحَلِّ وِلاَيَتِهِ دُونَ السَّامِع فَرَجَعَ السَّامِعُ إِلَى مَحَلِّ وَلاَيَتِهِ وَحَكَمَ بِهِ صَحَّ إِنْ قُلْنا: إِنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لا فَالظَّاهِرُ أنَّه كَشَهَادَةٍ يَسْمَعُهَا فِي غَيْرِ وِلاَيَتِهِ فَلا يَصِحُّ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: ذكرنا أن إنهاء الحكم إِلى قاضي البلد الآخر يحصل بطريقتين وقد فَرَغْنَا من بيان أحدهما، وهو الإِشهاد والمكاتبة، والثاني المشافَهَةُ، ويصوَّر من وجوه:

أحدها: أن يجتمع القاضي الَّذي حكم، وقاضي بلد الغائب في غَيْر البلدَيْن، فيخبره بحكمه.

والثاني: أن ينتقل الذي حكم إلى بلد الغائب، وأخبره، ففي الحالَتَيْن، لا يقبل قوله، ولا يمضي حكمه؛ لأن إخباره (١) في غير موضع ولايته كإخبار القاضي بعد العزل.

والثالث: لو حضر قاضي بلَدِ الغائب في بَلَدِ الذي حَكَم، فأخبره، فهل يمضيه، إِذا عاد إِلى محل ولايته ينبني عَلَى أن القاضي، هَلْ يقضي بعلْم نفسه، إِن قلنا: يقضي بعلمه فنعم وإلا فلا فعن بعضهم تجويزُه أيضًا، والأصحُّ، وبه قال الإِمام: أنه لا يجوز، كما لا يجوز الحكم بشهادة سمعها في غير مَحَلِّ ولايته، كما لوَ قال ذلك القاضي: سمعتُ البينة عَلَى فلان بكذا، فإِنه لا يرتّب الحكم علَيْه، إِذا عاد إِلى محل ولايته.

والرابع: إذا كانا جميعًا في موضع الولاية بأن وقف الذي حكم في طرف ولايته، ونادى الذي حكم صاحبه أني حكمت بكذا، فعَلَى صاحبه إِمضاؤه؛ لأنه أبلغ من الشهادة والكتاب، وأولى بأن يعتمد عليه، وكذا لو كان في البلدة قاضيان، وجوَّزنا، فقال أحدهما للآخر: حكمتُ بكذا، فإنه يُمْضِيه، وكذا إِذا قال القاضي لنائبه في البلد وبالعكس، ولو خرج القاضي إِلى قرية لَه نائبٌ فيها، فأخبر أحدهما الآخر عن حكمه، أمضاه الآخر؛ لأن القربة محلُّ ولايتهما جميعًا، ولو دخل النائب البَلَدَ، فقال القاضي: حكمت بكذا، لم يقبله، ولو قال له القاضي: حكمت بكذا (٢) ففي إِمضائه إِياه، إذا عاد إِلى قريته الخلافُ في القضاء بالعلم.

وأما لفظ الكتاب فقوله: "لأنَّ السامع والمُسْمِعَ لا بُدَّ وأن يكون في غير محلِّ ولايته" أي: هكذا يتفق، ويكون حينئذٍ في غالب الأمر، وقد يوجد في النسخ لأن السامِعَ والمُسّمِعَ لا بُدَّ، وأنْ يكون في مَحَلِّ ولايته وله وجْهٌ أيْضًا، والمعنى أنَّ كل


(١) في ز: اختياره.
(٢) سقط من: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>