وَقَالَ لَهُ قَائِلٌ عِنْدَ فَرْضِ الْعَطَاءِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ تَرَكْتَ فِي بُيُوتِ الْأَمْوَالِ عِدَّةً لِكَوْنٍ إِنْ كَانَ. فَقَالَ: كَلِمَةٌ أَلْقَاهَا الشَّيْطَانُ عَلَى فِيكَ وَقَانِي اللَّهُ شَرَّهَا، وَهِيَ فِتْنَةٌ لِمَنْ بَعْدِي، بَلْ أُعِدُّ لَهُمْ مَا أَعَدَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ طَاعَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، هُمَا عُدَّتُنَا الَّتِي بِهَا أَفْضَيْنَا إِلَى مَا تَرَوْنَ، فَإِذَا كَانَ الْمَالُ ثَمَنَ دِينِ أَحَدِكُمْ هَلَكْتُمْ.
وَقَالَ عُمَرُ لِلْمُسْلِمِينَ: إِنِّي كُنْتُ امْرَأً تَاجِرًا يُغْنِي اللَّهُ عِيَالِي بِتِجَارَتِي، وَقَدْ شَغَلْتُمُونِي بِأَمْرِكُمْ هَذَا، فَمَا تَرَوْنَ أَنَّهُ يَحِلُّ لِي فِي هَذَا الْمَالِ؟ وَعَلِيٌّ سَاكِتٌ. فَأَكْثَرَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا عَلِيُّ؟ فَقَالَ: مَا أَصْلَحَكَ وَعِيَالَكَ بِالْمَعْرُوفِ لَيْسَ لَكَ غَيْرُهُ. فَقَالَ الْقَوْمُ: الْقَوْلُ مَا قَالَ عَلِيٌّ. فَأَخَذَ قُوتَهُ وَاشْتَدَّتْ حَاجَةُ عُمَرَ، فَاجْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَقَالُوا: لَوْ قُلْنَا لِعُمَرَ فِي زِيَادَةٍ نَزِيدُهُ إِيَّاهَا فِي رِزْقِهِ. فَقَالَ عُثْمَانُ: هَلُمُّوا فَلْنَسْتَبْرِئْ مَا عِنْدَهُ مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ، فَأَتَوْا حَفْصَةَ ابْنَتَهُ فَأَعْلَمُوهَا الْحَالَ وَاسْتَكْتَمُوهَا أَنْ لَا تُخْبِرَ بِهِمْ عُمَرَ. فَلَقِيَتْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ، فَغَضِبَ وَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ لِأَسَوءَهُمْ؟ قَالَتْ: لَا سَبِيلَ إِلَى عِلْمِهِمْ. قَالَ: أَنْتِ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، مَا أَفْضَلُ مَا اقْتَنَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِكِ مِنَ الْمَلْبَسِ؟ قَالَتْ: ثَوْبَيْنِ مُمَشَّقَيْنِ كَانَ يَلْبَسُهُمَا لِلْوَفْدِ وَالْجُمَعِ. قَالَ: فَأَيُّ الطَّعَامِ نَالَهُ عِنْدَكِ أَرْفَعُ؟ قَالَتْ: حَرْفًا مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ فَصَبَبْنَا عَلَيْهِ وَهُوَ حَارٌّ أَسْفَلَ عُكَّةٍ لَنَا، فَجَعَلْتُهَا دَسِمَةً حُلْوَةً فَأَكَلَ مِنْهَا. وَقَالَ: وَأَيُّ مُبْسَطٍ كَانَ يُبْسَطُ عِنْدَكِ كَانَ أَوْطَأَ؟ قَالَتْ: كِسَاءٌ ثَخِينٌ كُنَّا نُرَبِّعُهُ فِي الصَّيْفِ، فَإِذَا كَانَ الشِّتَاءُ بَسَطْنَا نِصْفَهُ وَتَدَثَّرْنَا بِنِصْفِهِ. قَالَ: يَا حَفْصَةُ فَأَبْلِغِيهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّرَ فَوَضَعَ الْفُضُولَ مَوَاضِعَهَا وَتَبَلَّغَ بِالتَّزْجِيَةِ، فَوَاللَّهِ لَأَضَعَنَّ الْفُضُولَ مَوَاضِعَهَا وَلَأَتَبَلَّغَنَّ بِالتَّزْجِيَةِ، وَإِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ صَاحِبَيَّ كَثَلَاثَةٍ سَلَكُوا طَرِيقًا، فَمَضَى الْأَوَّلُ وَقَدْ تَزَوَّدَ فَبَلَغَ الْمَنْزِلَ، ثُمَّ اتَّبَعَهُ الْآخَرُ فَسَلَكَ طَرِيقَهُ فَأَفْضَى إِلَيْهِ، ثُمَّ اتَّبَعَهُ الثَّالِثُ فَإِنْ لَزِمَ طَرِيقَهُمَا وَرَضِيَ بِزَادِهِمَا أُلْحِقَ بِهِمَا، وَإِنْ سَلَكَ غَيْرَ طَرِيقِهِمَا لَمْ يُجَامِعْهُمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute