وَالنَّاسُ وَنَزَلُوا عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمَ زُهْرَةُ نَحْوَ الْفُرْسِ، وَكَانُوا قَدْ نَزَلُوا بَيْنَ الدَّيْرِ وَكُوثَى، وَقَدِ اسْتَخْلَفَ النَّخِيرَخَانُ وَمِهْرَانُ عَلَى جُنُودِهِمَا شَهْرَيَارَ، فَنَازَلَهُمْ زُهْرَةُ، فَبَرَزُوا إِلَى قِتَالِهِ، وَخَرَجَ شَهْرَيَارُ يَطْلُبُ الْمُبَارَزَةَ، فَأَخْرَجَ زُهْرَةُ إِلَيْهِ أَبَا نُبَاتَةَ نَائِلَ بْنَ جَشْعَمٍ الْأَعْرَجِيَّ، وَكَانَ مِنْ شُجْعَانِ بَنِي تَيْمٍ، وَكِلَاهُمَا وَثِيقُ الْخَلْقِ. فَلَمَّا رَأَى شَهْرَيَارُ نَائِلًا أَلْقَى الرُّمْحَ لِيَعْتَنِقَهُ، وَأَلْقَى أَبُو نُبَاتَةَ رُمْحَهُ لِيَعْتَنِقَهُ أَيْضًا، وَانْتَضَيَا سَيْفَيْهِمَا فَاجْتَلَدَا، ثُمَّ اعْتَنَقَا فَسَقَطَا عَنْ دَابَّتِهِمَا، فَوَقَعَ شَهْرَيَارُ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ جَمَلٌ، فَضَغَطَهُ بِفَخِذِهِ، وَأَخَذَ الْخِنْجَرَ وَأَرَادَ حَلَّ أَزْرَارَ دِرْعِهِ، فَوَقَعَتْ إِصْبَعُهُ فِي نَائِلٍ فَكَسَرَ عَظْمَهَا، وَرَأَى مِنْهُ فُتُورًا فَبَادَرَ وَجَلَدَ بِهِ الْأَرْضَ، ثُمَّ قَعَدَ عَلَى صَدْرِهِ وَأَخَذَ خِنْجَرَهُ وَكَشَفَ دِرْعَهُ عَنْ بَطْنِهِ، وَطَعَنَ بِهِ بَطْنَهُ وَجَنْبَهُ حَتَّى مَاتَ، وَأَخَذَ فَرَسَهُ وَسِوَارَيْهِ وَسَلَبَهُ، وَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ فَذَهَبُوا فِي الْبِلَادِ، وَأَقَامَ زُهْرَةُ بِكُوثَى حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ سَعْدٌ، فَقَدَّمَ إِلَيْهِ نَائِلًا وَأَلْبَسَهُ سِلَاحَ شَهْرَيَارَ وَسِوَارَيْهِ وَأَرْكَبَهُ بِرْذَوْنَهُ وَغَنَّمَهُ الْجَمِيعَ، فَكَانَ أَوَّلَ أَعْرَجِيٍّ سُوِّرَ بِالْعِرَاقِ، وَقَامَ بِهَا سَعْدٌ أَيَّامًا وَزَارَ مَجْلِسَ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
وَقِيلَ: كَانَتْ هَذِهِ الْوَقَعَاتُ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ.
(نَائِلٌ بِالنُّونِ، وَبَعْدَ الْأَلِفِ يَاءٌ تَحْتَهَا نُقْطَتَانِ، وَآخِرُهُ لَامٌ) .
ذِكْرُ بَهُرَسِيرَ وَهِيَ الْمَدِينَةُ الْعَتِيقَةُ وَهِيَ الْمَدَائِنُ الدُّنْيَا مِنَ الْغَرْبِ
ثُمَّ إِنَّ سَعْدًا قَدَّمَ زُهْرَةَ إِلَى بَهُرَسِيرَ فَمَضَى فِي الْمُقَدَّمَاتِ، فَتَلَقَّاهُ شِيرَازَادُ دِهْقَانُ سَابَاطَ بِالصُّلْحِ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى سَعْدٍ، فَصَالَحَهُ عَلَى تَأْدِيَةِ الْجِزْيَةِ.
وَلَقِيَ زُهْرَةُ كَتِيبَةَ بِنْتِ كِسْرَى الَّتِي تُدْعَى بُورَانُ، وَكَانُوا يَحْلِفُونَ كُلَّ يَوْمٍ أَنْ لَا يَزُولَ مُلْكُ فَارِسٍ مَا عِشْنَا، فَهَزَمَهُمْ وَقَتَلَ هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ - وَهُوَ ابْنُ أَخِي سَعْدٍ - الْمُقَرَّطَ - وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute