أَنَّهُ يُرِيدُ الدُّنْيَا مَعَ الْآخِرَةِ، فَلَقَدِ اتَّهَمْنَا ثَلَاثَةَ نَفَرٍ، فَمَا رَأَيْنَا كَأَمَانَتِهِمْ وَزُهْدِهِمْ، وَهُمْ: طُلَيْحَةُ، وَعَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ، وَقَيْسُ بْنُ الْمَكْشُوحِ.
وَقَالَ عُمَرُ لَمَّا قُدِمَ عَلَيْهِ بِسَيْفِ كِسْرَى وَمِنْطَقَتِهِ وَبِزُبْرِجِهِ: إِنَّ قَوْمًا أَدَّوْا هَذَا لَذَوُو أَمَانَةٍ. فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّكَ عَفَفْتَ فَعَفَّتِ الرَّعِيَّةُ.
فَلَمَّا جُمِعَتِ الْغَنَائِمُ قَسَّمَ سَعْدٌ الْفَيْءَ بَيْنَ النَّاسِ بَعْدَمَا خَمَّسَهُ، وَكَانُوا سِتِّينَ أَلْفًا، فَأَصَابَ الْفَارِسَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا، وَكُلُّهُمْ كَانَ فَارِسًا لَيْسَ فِيهِمْ رَاجِلٌ، وَنَفَّلَ مِنَ الْأَخْمَاسِ فِي أَهْلِ الْبَلَاءِ، وَقَسَّمَ الْمَنَازِلَ بَيْنَ النَّاسِ، وَأَحْضَرَ الْعِيَالَاتِ فَأَنْزَلَهُمُ الدُّورَ، فَأَقَامُوا بِالْمَدَائِنِ حَتَّى فَرَغُوا مِنْ جَلُولَاءَ وَحُلْوَانَ وَتَكْرِيتَ وَالْمَوْصِلِ ثُمَّ تَحَوَّلُوا إِلَى الْكُوفَةِ. وَأَرْسَلَ سَعْدٌ فِي الْخُمُسِ كُلَّ شَيْءٍ أَرَادَ أَنْ يَعْجَبَ مِنْهُ الْعَرَبُ، وَمَا كَانَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يَقَعَ، وَأَرَادَ إِخْرَاجَ خُمُسِ الْقِطْفِ، فَلَمْ تَعْتَدِلْ قِسْمَتُهُ، وَهُوَ بُهَارُ كِسْرَى، فَقَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: هَلْ تَطِيبُ أَنْفُسُكُمْ عَنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهِ فَنَبْعَثُ بِهِ إِلَى عُمَرَ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ فَإِنَّا لَا نَرَاهُ يَنْقَسِمُ، وَهُوَ بَيْنَنَا قَلِيلٌ، وَهُوَ يَقَعُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَوْقِعًا؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَبَعَثَهُ إِلَى عُمَرَ. وَالْقِطْفُ بِسَاطٌ وَاحِدٌ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، مِقْدَارَ جُرَيْبٍ، كَانَتِ الْأَكَاسِرَةُ تُعِدُّهُ لِلشِّتَاءِ إِذَا ذَهَبَتِ الرَّيَاحِينُ شَرِبُوا عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُمْ فِي رِيَاضٍ، فِيهِ طُرُقٌ كَالصُّوَرِ، وَفِيهِ فُصُوصٌ كَالْأَنْهَارِ أَرْضُهَا مُذَهَّبَةٌ، وَخِلَالَ ذَلِكَ فُصُوصٌ كَالدُّرِّ، وَفِي حَافَّاتِهِ كَالْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ وَالْأَرْضِ الْمُبْقِلَةِ بِالنَّبَاتِ فِي الرَّبِيعِ، وَالْوَرَقُ مِنَ الْحَرِيرِ عَلَى قُضْبَانِ الذَّهَبِ، وَزَهْرُهُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَثَمَرُهُ الْجَوْهَرُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّيهِ الْقِطْفَ.
فَلَمَّا قَدِمَتِ الْأَخْمَاسُ عَلَى عُمَرَ نَفَّلَ مِنْهَا مَنْ غَابَ وَمَنْ شَهِدَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَاءِ، ثُمَّ قَسَّمَ الْخُمُسَ فِي مَوَاضِعِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي هَذَا الْقِطْفِ: فَمِنْ بَيْنِ مُشِيرٍ بِقَبْضِهِ، وَآخَرَ مُفَوِّضٍ إِلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ عِلْمَكَ جَهْلًا وَيَقِينَكَ شَكًّا، إِنَّهُ لَيْسَ لَكَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا أَعْطَيْتَ فَأَمْضَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، وَإِنَّكَ إِنْ تُبْقِهِ عَلَى هَذَا الْيَوْمَ لَمْ تَعْدَمْ فِي غَدٍ مَنْ يَسْتَحِقُّ بِهِ مَا لَيْسَ لَهُ. فَقَالَ: صَدَقْتَنِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute