السُّوسِ مَعَ أَبِي سَبْرَةَ، وَزِرٌّ مُحَاصِرًا أَهْلَ جُنْدَيْسَابُورَ. فَجَاءَ كِتَابُ عُمَرَ بِصَرْفِ النُّعْمَانِ إِلَى أَهْلِ نَهَاوَنْدَ مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ، فَنَاوَشَهُمُ الْقِتَالَ قَبْلَ مَسِيرِهِ، فَصَاحَ أَهْلُهَا بِالْمُسْلِمِينَ وَنَاوَشُوهُمْ وَغَاظُوهُمْ، وَكَانَ صَافِي بْنُ صَيَّادٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي خَيْلِ النُّعْمَانِ، فَأَتَى صَافِي بَابَ السُّوسِ فَدَقَّهُ بِرِجْلِهِ فَقَالَ: انْفَتِحْ بَظَارَ! وَهُوَ غَضْبَانُ، فَتَقَطَّعَتِ السَّلَاسِلُ وَتَكَسَّرَتِ الْأَغْلَاقُ وَتَفَتَّحَتِ الْأَبْوَابُ، وَدَخَلَ الْمُسْلِمُونَ، وَأَلْقَى الْمُشْرِكُونَ بِأَيْدِيهِمْ وَنَادَوْا: الصُّلْحَ الصُّلْحَ. فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَمَا دَخَلُوهَا عَنْوَةً، وَاقْتَسَمُوا مَا أَصَابُوا.
ثُمَّ افْتَرَقُوا فَسَارَ النُّعْمَانُ حَتَّى أَتَى نَهَاوَنْدَ، وَسَارَ الْمُقْتَرِبُ حَتَّى نَزَلَ عَلَى جُنْدَيْسَابُورَ مَعَ زِرٍّ.
وَقِيلَ لِأَبِي سَبْرَةَ: هَذَا جَسَدُ دَانْيَالَ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ. قَالَ: وَمَا عَلَيَّ بِذَلِكَ! فَأَقَرَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ.
وَكَانَ دَانْيَالُ قَدْ لَزِمَ نَوَاحِيَ فَارِسَ بَعْدَ بُخْتِ نَصَّرَ. فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَلَمْ يَرَ أَحَدًا عَلَى الْإِسْلَامِ أَكْرَمَ كِتَابَ اللَّهِ عَمَّنْ لَمْ يُجِبْهُ، فَقَالَ لِابْنِهِ: ائْتِ سَاحِلَ الْبَحْرِ فَاقْذِفْ بِهَذَا الْكِتَابِ فِيهِ، فَأَخَذَهُ الْغُلَامُ وَغَابَ عَنْهُ وَعَادَ وَقَالَ لَهُ: قَدْ فَعَلْتُ. قَالَ: مَا صَنَعَ الْبَحْرُ؟ قَالَ: مَا صَنَعَ شَيْئًا. فَغَضِبَ وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا فَعَلْتَ الَّذِي أَمَرْتُكَ بِهِ! فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَفَعَلَ فِعْلَتَهُ الْأُولَى. فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتَ الْبَحْرَ صَنَعَ؟ قَالَ: مَاجَ وَاصْطَفَقَ. فَغَضِبَ أَشَدَّ مِنَ الْأَوَّلِ وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا فَعَلْتَ الَّذِي أَمَرْتُكَ بِهِ. فَعَادَ إِلَى الْبَحْرِ وَأَلْقَاهُ فِيهِ، فَانْفَلَقَ الْبَحْرُ عَنِ الْأَرْضِ وَانْفَجَرَتْ لَهُ الْأَرْضُ عَنْ مِثْلِ التَّنُّورِ، فَهَوَى فِيهَا ثُمَّ انْطَبَقَتْ عَلَيْهِ وَاخْتَلَطَ الْمَاءُ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهِ وَأَخْبَرَهُ بِمَا رَأَى قَالَ: الْآنَ صَدَقْتَ. وَمَاتَ دَانْيَالُ بِالسُّوسِ، وَكَانَ هُنَاكَ يُسْتَسْقَى بِجَسَدِهِ، فَاسْتَأْذَنُوا عُمَرَ فِيهِ فَأَمَرَ بِدَفْنِهِ.
وَقِيلَ فِي أَمْرِ السُّوسِ: إِنَّ يَزْدَجِرْدَ سَارَ بَعْدَ وَقْعَةِ جَلُولَاءَ فَنَزَلَ إِصْطَخْرَ وَمَعَهُ سَيَاهُ فِي سَبْعِينَ مِنْ عُظَمَاءِ الْفُرْسِ، فَوَجَّهَهُ إِلَى السُّوسِ وَالْهُرْمُزَانَ إِلَى تُسْتَرَ، فَنَزَلَ سِيَاهُ الْكَلْتَانِيَّةَ، وَبَلَغَ أَهْلَ السُّوسِ أَمْرُ جَلُولَاءَ وَنُزُولُ يَزْدَجِرْدَ إِصْطَخْرَ، فَسَأَلُوا أَبَا مُوسَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute