الصُّلْحَ، وَكَانَ مُحَاصِرًا لَهُمْ، فَصَالَحَهُمْ وَسَارَ إِلَى رَامَهُرْمُزَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى تُسْتَرَ، وَنَزَلَ سِيَاهُ بَيْنَ رَامَهُرْمُزَ وَتُسْتَرَ، وَدَعَا مَنْ مَعَهُ مِنْ عُظَمَاءِ الْفُرْسِ وَقَالَ لَهُمْ: قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّا كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ سَيَغْلِبُونَ عَلَى هَذِهِ الْمَمْلَكَةِ وَتَرُوثُ دَوَابُّهُمْ فِي إِيوَانَاتِ إِصْطَخْرَ، وَيَشُدُّونَ خُيُولَهُمْ فِي شَجَرِهَا، وَقَدْ غَلَبُوا عَلَى مَا رَأَيْتُمْ، فَانْظُرُوا لِأَنْفُسِكُمْ. قَالُوا: رَأْيُنَا رَأْيُكَ. قَالَ: أَرَى أَنْ تَدْخُلُوا فِي دِينِهِمْ. وَوَجَّهُوا شِيرَوَيْهِ فِي عَشَرَةٍ مِنَ الْأَسَاوِرَةِ إِلَى أَبِي مُوسَى، فَشَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَاتِلُوا مَعَهُ الْعَجَمَ وَلَا يُقَاتِلُوا الْعَرَبَ، وَإِنْ قَاتَلَهُمْ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ مَنَعَهُمْ مِنْهُمْ، وَيَنْزِلُوا حَيْثُ شَاءُوا، وَيَلْحَقُوا بِأَشْرَفِ الْعَطَاءِ، وَيَعْقِدَ لَهُمْ ذَلِكَ عُمَرُ عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا، فَأَعْطَاهُمْ عُمَرُ مَا سَأَلُوا، فَأَسْلَمُوا وَشَهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ حِصَارَ تُسْتَرَ. وَمَضَى سِيَاهُ إِلَى حِصْنٍ قَدْ حَاصَرَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي زِيِّ الْعَجَمِ، فَأَلْقَى نَفْسَهُ إِلَى جَانِبِ الْحِصْنِ وَنَضَحَ ثِيَابَهُ بِالدَّمِ، فَرَآهُ أَهْلُ الْحِصْنِ صَرِيعًا فَظَنُّوهُ رَجُلًا مِنْهُمْ فَفَتَحُوا بَابَ الْحِصْنِ لِيُدْخِلُوهُ إِلَيْهِمْ، فَوَثَبَ وَقَاتَلَهُمْ حَتَّى خَلَّوْا عَنِ الْحِصْنِ وَهَرَبُوا، فَمَلَكَهُ وَحْدَهُ. وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الْفِعْلَ كَانَ مِنْهُ بِتُسْتَرَ.
ذكر مُصَالَحَةِ جُنْدَيْسَابُورَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ الْمُسْلِمُونَ عَنِ السُّوسِ فَنَزَلُوا بِجُنْدَيْسَابُورَ، وَزِرُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مُحَاصِرُهُمْ، فَأَقَامُوا عَلَيْهَا يُقَاتِلُونَهُمْ، فَرُمِيَ إِلَى مَنْ بِهَا مِنْ عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ بِالْأَمَانِ، فَلَمْ يَفْجَأِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا وَقَدْ فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَأَخْرَجُوا أَسْوَاقَهُمْ وَخَرَجَ أَهْلُهَا، فَسَأَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: رَمَيْتُمْ بِالْأَمَانِ فَقَبِلْنَاهُ وَأَقْرَرْنَا بِالْجِزْيَةِ. فَقَالُوا: مَا فَعَلْنَا! وَسَأَلَ الْمُسْلِمُونَ فَإِذَا عَبْدٌ يُدْعَى مَكْثَفًا كَانَ أَصْلُهُ مِنْهَا فَعَلَ هَذَا، فَقَالُوا: هُوَ عَبْدٌ. فَقَالَ أَهْلُهَا: لَا نَعْرِفُ الْعَبْدَ مِنَ الْحُرِّ، وَقَدْ قَبِلْنَا الْجِزْيَةَ وَمَا بَدَّلْنَا، فَإِنْ شِئْتُمْ فَاغْدِرُوا. فَكَتَبُوا إِلَى عُمَرَ فَأَجَازَ أَمَانَهُمْ، فَآمَنُوهُمْ وَانْصَرَفُوا عَنْهُمْ.
ذكر مَسِيرِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى كَرْمَانَ وَغَيْرِهَا
قِيلَ: فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ أَذِنَ عُمَرُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الِانْسِيَاحِ فِي بِلَادِ فَارِسَ، وَانْتَهَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute