للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عُكَّةُ سَمْنٍ وَوَطْبٌ مِنْ لَبَنٍ، فَاشْتَرَاهَا غُلَامٌ لِعُمَرَ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا ثُمَّ أَتَى عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ أَبَرَّ اللَّهُ يَمِينَكَ وَعَظَّمَ أَجْرَكَ، قَدِمَ السُّوقَ وَطْبٌ مِنْ لَبَنٍ وَعُكَّةٌ مِنْ سَمْنٍ ابْتَعْتُهُمَا بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا. فَقَالَ عُمَرُ: أَغْلَيْتَ بِهِمَا فَتَصَدَّقْ بِهِمَا فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ آكُلَ إِسْرَافًا. وَقَالَ: كَيْفَ يَعْنِينِي شَأْنُ الرَّعِيَّةِ إِذَا لَمْ يُصِبْنِي مَا أَصَابَهُمْ!

وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَمْصَارِ يَسْتَغِيثُهُمْ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَيَسْتَمِدُّهُمْ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ رَاحِلَةٍ مِنْ طَعَامٍ، فَوَلَّاهُ قِسْمَتَهَا فِيمَنْ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، فَقَسَّمَهَا وَانْصَرَفَ إِلَى عَمَلِهِ، وَتَتَابَعَ النَّاسُ وَاسْتَغْنَى أَهْلُ الْحِجَازِ.

وَأَصْلَحَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بَحْرَ الْقُلْزُمِ، وَأَرْسَلَ فِيهِ الطَّعَامَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَصَارَ الطَّعَامُ بِالْمَدِينَةِ كَسِعْرِ مِصْرَ، وَلَمْ يَرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَعْدَ الرَّمَادَةِ مِثْلَهَا حَتَّى حُبِسَ عَنْهُمُ الْبَحْرُ مَعَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، فَذَلُّوا وَتَقَاصَرُوا، وَكَانَ النَّاسُ بِذَلِكَ وَعُمَرُ كَالْمَحْصُورِ عَنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ.

فَقَالَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ مُزَيْنَةَ لِصَاحِبِهِمْ، وَهُوَ بِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ: قَدْ هَلَكْنَا فَاذْبَحْ لَنَا شَاةً. قَالَ: لَيْسَ فِيهِنَّ شَيْءٌ. فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى ذَبَحَ فَسَلَخَ عَنْ عَظْمٍ أَحْمَرَ، فَنَادَى: يَا مُحَمَّدَاهُ! فَأُرِيَ فِي الْمَنَامِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُ فَقَالَ: أَبْشِرْ بِالْحَيَا، إِيتِ عُمَرَ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ إِنِّي عَهِدْتُكَ وَأَنْتَ وَفِيُّ الْعَهْدِ شَدِيدُ الْعَقْدِ، فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ يَا عُمَرُ! فَجَاءَ حَتَّى أَتَى بَابَ عُمَرَ فَقَالَ لِغُلَامِهِ: اسْتَأْذِنْ لِرَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ، فَفَزِعَ وَقَالَ: رَأَيْتَ بِهِ مَسًّا؟ قَالَ: لَا، فَأَدْخَلَهُ، وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَخَرَجَ فَنَادَى فِي النَّاسِ وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: نَشَدْتُكُمُ اللَّهَ الَّذِي هَدَاكُمْ هَلْ رَأَيْتُمْ مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُونَ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا، وَلِمَ ذَاكَ؟ فَأَخْبَرَهُمْ فَفَطِنُوا وَلَمْ يَفْطَنْ عُمَرُ، فَقَالُوا: إِنَّمَا اسْتَبْطَأَكَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَاسْتَسْقِ بِنَا. فَنَادَى فِي النَّاسِ، وَخَرَجَ مَعَهُ الْعَبَّاسُ مَاشِيًا، فَخَطَبَ وَأَوْجَزَ وَصَلَّى ثُمَّ جَثَا لِرُكْبَتَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَجَزَتْ عَنَّا أَنْصَارُنَا وَعَجَزَ عَنَّا حَوْلُنَا وَقُوَّتُنَا وَعَجَزَتْ عَنَّا أَنْفُسُنَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ، اللَّهُمَّ فَاسْقِنَا وَأَحْيِ الْعِبَادَ وَالْبِلَادَ! وَأَخَذَ بِيَدِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّ دُمُوعَ الْعَبَّاسِ لَتَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>