للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَقِيَّةِ آبَائِهِ وَكُبْرِ رِجَالِهِ، فَإِنَّكَ تَقُولُ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ} [الكهف: ٨٢] فَحَفِظْتَهُمَا بِصَلَاحِ آبَائِهِمَا، فَاحْفَظِ اللَّهُمَّ نَبِيَّكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَمِّهِ، فَقَدْ دَلَوْنَا بِهِ إِلَيْكَ مُسْتَشْفِعِينَ مُسْتَغْفِرِينَ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: ١٠] .

وَكَانَ الْعَبَّاسُ قَدْ طَالَ عُمُرُهُ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ وَلِحْيَتُهُ تَجُولُ عَلَى صَدْرِهِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الرَّاعِي فَلَا تُهْمِلِ الضَّالَّةَ، وَلَا تَدَعِ الْكَسِيرَ بِدَارِ مَضْيَعَةٍ، فَقَدْ صَرَخَ الصَّغِيرُ وَرَقَّ الْكَبِيرُ وَارْتَفَعَتِ الشَّكْوَى، وَأَنْتَ تَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، اللَّهُمَّ فَأَغْنِهِمْ بِغِنَاكَ قَبْلَ أَنْ يَقْنَطُوا فَيَهْلِكُوا، فَإِنَّهُ لَا يَيْأَسُ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ. فَنَشَأَتْ طَرِيرَةٌ مِنْ سَحَابٍ، فَقَالَ النَّاسُ: تَرَوْنَ تَرَوْنَ! ثُمَّ الْتَأَمَتْ وَمَشَتْ فِيهَا رِيحٌ ثُمَّ هَدَأَتْ وَدَرَّتْ، فَوَاللَّهِ مَا تَرَوَّحُوا حَتَّى اعْتَنَقُوا الْجِدَارَ وَقَلَّصُوا الْمَآزِرَ، فَطَفِقَ النَّاسُ بِالْعَبَّاسِ يَمْسَحُونَ أَرْكَانَهُ وَيَقُولُونَ: هَنِيئًا لَكَ سَاقِيَ الْحَرَمَيْنِ! فَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ:

بِعَمِّي سَقَى اللَّهُ الْحِجَازَ وَأَهْلَهُ ... عَشِيَّةَ يَسْتَسْقِي بِشَيْبَتِهِ عُمَرْ

تَوَجَّهَ بِالْعَبَّاسِ فِي الْجَدْبِ رَاغِبًا ... إِلَيْهِ فَمَا إِنْ رَامَ حَتَّى أَتَى الْمَطَرْ

وَمِنَّا رَسُولُ اللَّهِ فِينَا تُرَاثُهُ ... فَهَلْ فَوْقَ هَذَا لِلْمُفَاخِرِ مُفْتَخَرْ

ذكر طَاعُونِ عَمَوَاسَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَ طَاعُونُ عَمَوَاسَ بِالشَّامِ، فَمَاتَ فِيهِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَهُوَ أَمِيرُ النَّاسِ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَعُتْبَةُ بْنُ سُهَيْلٍ، وَعَامِرُ بْنُ غَيْلَانَ الثَّقَفِيُّ، مَاتَ وَأَبُوهُ حَيٌّ، وَتَفَانَى النَّاسُ مِنْهُ.

قَالَ طَارِقُ بْنُ شِهَابٍ: أَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فِي دَارِهِ بِالْكُوفَةِ نَتَحَدَّثُ عِنْدَهُ فَقَالَ: لَا عَلَيْكُمْ أَنْ تَخِفُّوا فَقَدْ أُصِيبَ فِي الدَّارِ إِنْسَانٌ، وَلَا عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَزَّهُوا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ فَتَخْرُجُوا فِي فُسَحِ بِلَادِكُمْ وَنُزَهِهَا حَتَّى يُرْفَعَ هَذَا الْوَبَاءُ، وَسَأُخْبِرُكُمْ بِمَا يُكْرَهُ وَيُتَّقَى،

<<  <  ج: ص:  >  >>