الْمَوْتِ مَا لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ قَطُّ، وَطَمِعَ لَهُ الْعَدُوُّ فِي الْمُسْلِمِينَ لِطُولِ مُكْثِهِ، مَكَثَ شُهُورًا، وَأَصَابَ النَّاسَ بِالْبَصْرَةِ مِثْلُهُ، وَكَانَ عِدَّةُ مَنْ مَاتَ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا.
ذكر قُدُومِ عُمَرَ إِلَى الشَّامِ بَعْدَ الطَّاعُونِ
لَمَّا هَلَكَ النَّاسُ فِي الطَّاعُونِ كَتَبَ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ إِلَى عُمَرَ بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْمَوَارِيثِ، فَجَمَعَ النَّاسَ وَاسْتَشَارَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ أَطُوفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي بُلْدَانِهِمْ لِأَنْظُرَ فِي آثَارِهِمْ، فَأَشِيرُوا عَلَيَّ، وَفِي الْقَوْمِ كَعْبُ الْأَحْبَارِ، وَفِي تِلْكَ السَّنَةِ أَسْلَمَ، فَقَالَ كَعْبٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بِأَيِّهَا تُرِيدُ أَنْ تَبْدَأَ؟ قَالَ: بِالْعِرَاقِ. قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ فَإِنَّ الشَّرَّ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ، تِسْعَةٌ مِنْهَا بِالْمَشْرِقِ وَجُزْءٌ بِالْمَغْرِبِ، وَالْخَيْرَ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ تِسْعَةٌ بِالْمَغْرِبِ وَجُزْءٌ بِالْمَشْرِقِ، وَبِهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ وَكُلُّ دَاءٍ عُضَالٍ. فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الْكُوفَةَ لَلْهِجْرَةُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَإِنَّهَا لَقُبَّةُ الْإِسْلَامِ، لَيَأْتِيَنَّهَا يَوْمٌ لَا يَبْقَى مُسْلِمٌ إِلَّا وَحَنَّ إِلَيْهَا، لَيُنْتَصَرَنَّ بِأَهْلِهَا كَمَا انْتُصِرَ بِالْحِجَارَةِ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ. فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ مَوَارِيثَ أَهْلِ عَمَوَاسَ قَدْ ضَاعَتْ، أَبْدَأُ بِالشَّامِ فَأُقَسِّمُ الْمَوَارِيثَ وَأُقِيمُ لَهُمْ مَا فِي نَفْسِي، ثُمَّ أَرْجِعُ فَأَتَقَلَّبُ فِي الْبِلَادِ وَأُبْدِي إِلَيْهِمْ أَمْرِي.
فَسَارَ عَنِ الْمَدِينَةِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَاتَّخَذَ أَيْلَةَ طَرِيقًا، فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا رَكِبَ بَعِيرَهُ وَعَلَى رَحْلِهِ فَرْوٌ مَقْلُوبٌ، وَأَعْطَى غُلَامَهُ مَرْكَبَهُ، فَلَمَّا تَلَقَّاهُ النَّاسُ قَالُوا: أَيْنَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: أَمَامَكُمْ، يَعْنِي نَفْسَهُ، فَسَارُوا أَمَامَهُمْ، وَانْتَهَى هُوَ إِلَى أَيْلَةَ فَنَزَلَهَا، وَقِيلَ لِلْمُتَلَقِّينَ: قَدْ دَخَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهَا وَنَزَلَهَا، فَرَجَعُوا [إِلَيْهِ] . وَأَعْطَى عُمَرُ الْأُسْقُفَّ بِهَا قَمِيصَهُ، وَقَدْ تَخَرَّقَ ظَهْرُهُ، لِيَغْسِلَهُ وَيُرَقِّعَهُ، فَفَعَلَ، وَأَخَذَهُ وَلَبِسَهُ، وَخَاطَ لَهُ الْأُسْقُفُّ قَمِيصًا غَيْرَهُ فَلَمْ يَأْخُذْهُ. فَلَمَّا قَدِمَ الشَّامَ قَسَّمَ الْأَرْزَاقَ، وَسَمَّى الشَّوَاتِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute