للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصَّبَّاحِ، وَبَعَثَ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَنَزَلَ عَلَيْهَا. قِيلَ: وَكَانَ الْإِسْكَنْدَرُ وَفَرَمَا أَخَوَيْنِ، وَنَزَلَ عَمْرٌو بِعَيْنِ الشَّمْسِ، فَقَالَ أَهْلُ مِصْرَ لِمَلِكِهِمْ: مَا تُرِيدُ إِلَى قِتَالِ قَوْمٍ هَزَمُوا كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَغَلَبُوهُمْ عَلَى بِلَادِهِمْ! فَلَا تَعْرِضْ لَهُمْ وَلَا تُعَرِّضْنَا [لَهُمْ]- وَذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ -[فَأَبَى] وَنَاهَدُوهُمْ وَقَاتَلُوهُمْ.

فَلَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْمُقَوْقِسُ بِعَيْنِ الشَّمْسِ وَاقْتَتَلُوا جَالَ الْمُسْلِمُونَ، فَذَمَّرَهُمْ عَمْرٌو، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَمَنِ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ مِنْ حَدِيدٍ. فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: اسْكُتْ، إِنَّمَا أَنْتَ كَلْبٌ. قَالَ: فَأَنْتَ أَمِيرُ الْكِلَابِ. فَنَادَى عَمْرٌو بِأَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجَابُوهُ، فَقَالَ: تَقَدَّمُوا فَبِكُمْ يَنْصُرُ اللَّهُ، فَتَقَدَّمُوا وَفِيهِمْ أَبُو بُرْدَةَ وَأَبُو بَرْزَةَ وَتَبِعَهُمُ النَّاسُ، وَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَظَفِرُوا وَهَزَمُوا الْمُشْرِكِينَ، فَارْتَقَى الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ سُورَهَا، فَلَمَّا أَحَسُّوهُ فَتَحُوا الْبَابَ لِعَمْرٍو، وَخَرَجُوا إِلَيْهِ مُصَالِحِينَ، فَقَبِلَ مِنْهُمْ.

وَنَزَلَ الزُّبَيْرُ عَلَيْهِمْ عَنْوَةً، حَتَّى خَرَجَ عَلَى عَمْرٍو مِنَ الْبَابِ مَعَهُمْ، فَاعْتَقَدُوا صُلْحًا بَعْدَمَا أَشْرَفُوا عَلَى الْهَلَكَةِ، فَأَجْرَوْا مَا أَخَذُوا عَنْوَةً مَجْرَى الصُّلْحِ، فَصَارُوا ذِمَّةً، وَأَجْرَوْا مَنْ دَخَلَ فِي صُلْحِهِمْ مِنَ الرُّومِ وَالنُّوبَةِ مَجْرَى أَهْلِ مِصْرَ، وَمَنِ اخْتَارَ الذَّهَابَ فَهُوَ آمِنٌ حَتَّى يَبْلُغَ مَأْمَنَهُ.

وَاجْتَمَعَتْ خُيُولُ الْمُسْلِمِينَ بِمِصْرَ، وَبَنَوُا الْفُسْطَاطَ وَنَزَلُوهُ، وَجَاءَ أَبُو مَرْيَمَ وَأَبُو مَرْيَامَ إِلَى عَمْرٍو، وَطَلَبَا مِنْهُ السَّبَايَا الَّتِي أُصِيبَتْ بَعْدَ الْمَعْرَكَةِ، فَطَرَدَهُمَا، فَقَالَا: كُلُّ شَيْءٍ أَصَبْتُمُوهُ مُنْذُ فَارَقْنَاكُمْ إِلَى أَنْ رَجَعْنَا إِلَيْكُمْ فَفِي ذِمَّةٍ. فَقَالَ عَمْرٌو لَهُمَا: أَتُغِيرُونَ عَلَيْنَا وَتَكُونُونَ فِي ذِمَّةٍ؟ قَالَا: نَعَمْ. فَقَسَّمَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ السَّبْيَ عَلَى النَّاسِ، وَتَفَرَّقَ فِي بُلْدَانِ الْعَرَبِ. وَبَعَثَ بِالْأَخْمَاسِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمَعَهَا وَفْدٌ، فَأَخْبَرُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِحَالِهِمْ كُلِّهِ وَبِمَا قَالَ أَبُو مَرْيَمَ، فَرَدَّ عُمَرُ عَلَيْهِمْ سَبْيَ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْهُمْ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ الْأَرْبَعَةِ، وَتَرَكَ سَبْيَ مَنْ قَاتَلَهُمْ فَرَدُّوهُمْ.

وَحَضَرَتِ الْقِبْطُ بَابَ عَمْرٍو، وَبَلَغَ عَمْرًا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَا أَرَثَّ الْعَرَبَ! مَا رَأَيْنَا مِثْلَنَا دَانَ لَهُمْ. فَخَافَ أَنْ يُطْمِعَهُمْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ بِجُزُرٍ فَطُبِخَتْ وَدَعَا أُمَرَاءَ الْأَجْنَادِ فَأَعْلَمُوا أَصْحَابَهُمْ، فَحَضَرُوا عِنْدَهُ وَأَكَلُوا أَكْلًا عَرَبِيًّا، انْتَشَلُوا وَحَسَوْا وَهُمْ فِي الْعَبَاءِ بِغَيْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>