سِلَاحٍ، فَازْدَادَ طَمَعُهُمْ، وَأَمَرَ الْمُسْلِمِينَ [أَنْ] يَحْضُرُوا الْغَدَ فِي ثِيَابِ [أَهْلِ] مِصْرَ وَأَحْذِيَتِهِمْ، فَفَعَلُوا، وَأَذِنَ لِأَهْلِ مِصْرَ، فَرَأَوْا شَيْئًا غَيْرَ مَا رَأَوْا بِالْأَمْسِ، وَقَامَ عَلَيْهِمُ الْقُوَّامُ بِأَلْوَانِ مِصْرَ، فَأَكَلُوا أَكْلَ أَهْلِ مِصْرَ، فَارْتَابَ الْقِبْطُ، وَبَعَثَ أَيْضًا إِلَى الْمُسْلِمِينَ: تَسَلَّحُوا لِلْعَرْضِ غَدًا، وَغَدَا عَلَى الْعَرْضِ، وَأَذِنَ لَهُمْ فَعَرَضَهُمْ عَلَيْهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: عَلِمْتُ حَالَكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُ اقْتِصَادَ الْعَرَبِ، فَخَشِيتُ أَنْ تَهْلِكُوا، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُرِيَكُمْ حَالَهُمْ فِي أَرْضِهِمْ كَيْفَ كَانَتْ، ثُمَّ حَالَهُمْ فِي أَرْضِكُمْ، ثُمَّ حَالَهُمْ فِي الْحَرْبِ، فَقَدْ رَأَيْتُمْ ظَفَرَهُمْ بِكُمْ وَذَلِكَ عَيْشُهُمْ، وَقَدْ كَلِبُوا عَلَى بِلَادِكُمْ بِمَا نَالُوا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، فَأَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ مَا رَأَيْتُمْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ غَيْرُ تَارِكٍ عَيْشَ الْيَوْمِ الثَّانِي، وَرَاجِعٌ إِلَى عَيْشِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ.
فَتَفَرَّقُوا وَهُمْ يَقُولُونَ: لَقَدْ رَمَتْكُمُ الْعَرَبُ بِرَجُلِهِمْ.
وَبَلَغَ عُمَرَ ذَلِكَ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ حَرْبَهُ لَلَيِّنَةٌ مَا لَهَا سَطْوَةٌ وَلَا سَوْرَةٌ كَسَوْرَاتِ الْحُرُوبِ مِنْ غَيْرِهِ.
ثُمَّ إِنَّ عَمْرًا سَارَ إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَكَانَ مَنْ بَيْنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَالْفُسْطَاطِ مِنَ الرُّومِ وَالْقِبْطِ قَدْ تَجَمَّعُوا لَهُ وَقَالُوا: نَغْزُوهُ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوَنَا وَيَرُومَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ. فَالْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا، فَهَزَمَهُمْ وَقَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، وَسَارَ حَتَّى بَلَغَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ، فَوَجَدَ أَهْلَهَا مُعِدِّينَ لِقِتَالِهِ. فَأَرْسَلَ الْمُقَوْقِسُ إِلَى عَمْرٍو يَسْأَلُهُ الْهُدْنَةَ إِلَى مُدَّةٍ، فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى ذَلِكَ وَقَالَ: لَقَدْ لَقِينَا مَلِكَكُمُ الْأَكْبَرَ هِرَقْلَ فَكَانَ مِنْهُ مَا بَلَغَكُمْ. فَقَالَ الْمُقَوْقِسُ لِأَصْحَابِهِ: صَدَقَ فَنَحْنُ أَوْلَى بِالْإِذْعَانِ. فَأَغْلَظُوا لَهُ فِي الْقَوْلِ وَامْتَنَعُوا، فَقَاتَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَحَصَرُوهُمْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَفَتَحَهَا عَمْرٌو عَنْوَةً وَغَنِمَ مَا فِيهَا وَجَعَلَهُمْ ذِمَّةً.
وَقِيلَ: إِنَّ الْمُقَوْقِسَ صَالَحَ عَمْرًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ، عَلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ مَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ وَيُقِيمَ مَنْ أَرَادَ الْقِيَامَ، وَجَعَلَ فِيهَا عَمْرٌو جُنْدًا.
وَلَمَّا فُتِحَتْ مِصْرُ غَزَوُا النُّوبَةَ، فَرَجَعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْجِرَاحَاتِ وَذَهَابِ الْحَدَقِ لِجَوْدَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute