مُجَنِّبَتَيْهِ الزُّرْدُقُ وَبَهْمَنْ جَاذَوَيْهِ الَّذِي جُعِلَ مَكَانَ ذِي الْحَاجِبِ. وَقَدْ تَوَافَى إِلَيْهِمُ الْأَمْدَادُ بِنَهَاوَنْدَ، كُلُّ مَنْ غَابَ عَنِ الْقَادِسِيَّةِ لَيْسُوا بِدُونِهِمْ، فَلَمَّا رَآهُمُ النُّعْمَانُ كَبَّرَ وَكَبَّرَ مَعَهُ النَّاسُ فَتَزَلْزَلَتِ الْأَعَاجِمُ وَحَطَّتِ الْعَرَبُ الْأَثْقَالَ، وَضُرِبَ فُسْطَاطُ النُّعْمَانِ، فَابْتَدَرَ أَشْرَافُ الْكُوفَةِ فَضَرَبُوهُ، مِنْهُمْ: حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَبَشِيرُ بْنُ الْخَصَاصِيَّةِ، وَحَنْظَلَةُ الْكَاتِبُ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ، وَالْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ قَيْسٍ الْهَمْدَانِيُّ، وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٍ وَغَيْرُهُمْ. فَلَمْ يُرَ بُنَّاءُ فُسْطَاطٍ بِالْعِرَاقِ كَهَؤُلَاءِ.
وَأَنْشَبَ النُّعْمَانُ الْقِتَالَ بَعْدَ حَطِّ الْأَثْقَالِ، فَاقْتَتَلُوا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ وَالْحَرْبُ بَيْنَهُمْ سِجَالٌ وَإِنَّهُمُ انْجَحَرُوا فِي خَنَادِقِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَحَصَرَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَأَقَامُوا عَلَيْهِمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَالْفُرْسُ بِالْخِيَارِ لَا يَخْرُجُونَ إِلَّا إِذَا أَرَادُوا الْخُرُوجَ، فَخَافَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَطُولَ أَمْرُهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتُ يَوْمٍ فِي جُمُعَةٍ مِنَ الْجُمَعِ تَجَمَّعَ أَهْلُ الرَّأْيِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالُوا: نَرَاهُمْ عَلَيْنَا بِالْخِيَارِ. وَأَتَوُا النُّعْمَانَ فِي ذَلِكَ فَوَافَوْهُ وَهُوَ يُرَوِّي فِي الَّذِي رَوَّوْا فِيهِ فَأَخْبَرُوهُ، فَبَعَثَ إِلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ النَّجَدَاتِ وَالرَّأْيِ فَأَحْضَرَهُمْ، فَتَكَلَّمَ النُّعْمَانُ فَقَالَ: قَدْ تَرَوْنَ الْمُشْرِكِينَ وَاعْتِصَامَهُمْ بِخَنَادِقِهِمْ وَمُدُنِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ إِلَيْنَا إِلَّا إِذَا شَاءُوا وَلَا يَقْدِرُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إِخْرَاجِهِمْ. وَقَدْ تَرَوْنَ الَّذِي فِيهِ الْمُسْلِمُونَ مِنَ التَّضَايُقِ، فَمَا الرَّأْيُ الَّذِي بِهِ نَسْتَخْرِجُهُمْ إِلَى الْمُنَاجَزَةِ وَتَرْكِ التَّطْوِيلِ؟
فَتَكَلَّمَ عَمْرُوبْنُ ثُنَيٍّ، وَكَانَ أَكْبَرَ النَّاسِ، وَكَانُوا يَتَكَلَّمُونَ عَلَى الْأَسْنَانِ، فَقَالَ: التَّحَصُّنُ عَلَيْهِمْ أَشَدُّ مِنَ الْمُطَاوَلَةِ عَلَيْكُمْ فَدَعْهُمْ وَقَاتِلْ مَنْ أَتَاكَ مِنْهُمْ. فَرَدُّوا عَلَيْهِ رَأْيَهُ.
وَتَكَلَّمَ عَمْرُوبْنُ مَعْدِ يكَرِبَ فَقَالَ: نَاهِدْهُمْ وَكَابِرْهُمْ وَلَا تَخَفْهُمْ، فَرَدُّوا جَمِيعًا عَلَيْهِ رَأْيَهُ وَقَالُوا: إِنَّمَا يُنَاطِحُ بِنَا الْجُدْرَانَ وَهِيَ أَعْوَانٌ عَلَيْنَا.
وَقَالَ طُلَيْحَةُ: أَرَى أَنْ نَبْعَثَ خَيْلًا لِيُنْشِبُوا الْقِتَالَ، فَإِذَا اخْتَلَطُوا بِهِمْ رَجَعُوا إِلَيْنَا اسْتِطْرَادًا، فَإِنَّا لَمْ نَسْتَطْرِدْ لَهُمْ فِي طُولِ مَا قَاتَلْنَاهُمْ، فَإِذَا رَأَوْا ذَلِكَ طَمِعُوا وَخَرَجُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute