للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَدِينَةِ وَسَمِعُوا الصِّيَاحَ، فَأَقْبَلَ بِجَيْشِهِ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِمُ الْبَلَدَ، فَلَمْ يُفْلِتِ الرُّومُ إِلَّا بِمَا خَفَّ مَعَهُمْ فِي مَرَاكِبِهِمْ.

وَكَانَ أَهْلُ حِصْنِ سَبْرَةَ قَدْ تَحَصَّنُوا لَمَّا نَزَلَ عَمْرٌو عَلَى طَرَابُلُسَ، فَلَمَّا امْتَنَعُوا عَلَيْهِ بِطَرَابُلُسَ أَمِنُوا وَاطْمَأَنُّوا، فَلَمَّا فُتِحَتْ طَرَابُلُسُ جَنَّدَ عَمْرٌو عَسْكَرًا كَثِيفًا وَسَيَّرَهُ إِلَى سَبْرَةَ، فَصَبَّحُوهَا وَقَدْ فَتَحَ أَهْلُهَا الْبَابَ وَأَخْرَجُوا مَوَاشِيَهُمْ لِتَسْرَحَ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ بَلَغَهُمْ خَبَرُ طَرَابُلُسَ، فَوَقَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ وَدَخَلُوا الْبَلَدَ مُكَابَرَةً وَغَنِمُوا مَا فِيهِ وَعَادُوا إِلَى عَمْرٍو. ثُمَّ سَارَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى بَرْقَةَ وَبِهَا لُوَاتَةُ، وَهُمْ مِنَ الْبَرْبَرِ.

وَكَانَ سَبَبُ مَسِيرِ الْبَرْبَرِ إِلَيْهَا وَإِلَى غَيْرِهَا مِنَ الْغَرْبِ أَنَّهُمْ كَانُوا بِنَوَاحِي فِلَسْطِينَ مِنَ الشَّامِ، وَكَانَ مَلِكُهُمْ جَالُوتَ، فَلَمَّا قُتِلَ سَارَتِ الْبَرَابِرُ وَطَلَبُوا الْغَرْبَ، حَتَّى إِذَا انْتَهَوْا إِلَى لُوبِيَّةَ وَمَرَاقِيَّةَ، وَهُمَا كُورَتَانِ مِنْ كُوَرِ مِصْرَ الْغَرْبِيَّةِ، تَفَرَّقُوا فَسَارَتْ زَنَاتَةُ وَمُغِيلَةُ، وَهُمَا قَبِيلَتَانِ مِنَ الْبَرْبَرِ إِلَى الْغَرْبِ فَسَكَنُوا الْجِبَالَ، وَسَكَنَتْ لُوَاتَةُ أَرْضَ بَرْقَةَ، وَتُعْرَفُ قَدِيمًا بِأَنْطَابُلُسَ، وَانْتَشَرُوا فِيهَا حَتَّى بَلَغُوا السُّوسَ، وَنَزَلَتْ هَوَّارَةُ مَدِينَةَ لَبْدَةَ، وَنَزَلَتْ نَفُوسَةُ إِلَى مَدِينَةِ سَبْرَةَ وَجَلَا مَنْ كَانَ بِهَا مِنَ الرُّومِ لِذَلِكَ، وَقَامَ الْأَفَارِقُ، وَهُمْ خَدَمُ الرُّومِ، عَلَى صُلْحٍ يُؤَدُّونَهُ إِلَى مَنْ غَلَبَ عَلَى بِلَادِهِمْ. وَسَارَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ - كَمَا ذَكَرْنَا - فَصَالَحَهُ أَهْلُهَا عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ يُؤَدُّونَهَا جِزْيَةً، وَشَرَطُوا أَنْ يَبِيعُوا مَنْ أَرَادُوا مِنْ أَوْلَادِهِمْ فِي جِزْيَتِهِمْ.

ذكر فَتْحِ أَذْرَبِيجَانَ

قَالَ: فَلَمَّا افْتَتَحَ نُعَيْمٌ الرَّيَّ بَعَثَ سِمَاكَ بْنَ خَرَشَةَ الْأَنْصَارِيَّ، وَلَيْسَ بِأَبِي دُجَانَةَ، مُمِدًّا لَبُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِأَذْرَبِيجَانَ، أَمَرَهُ عُمَرُ بِذَلِكَ، فَسَارَ سِمَاكٌ نَحْوَ بُكَيْرٍ، وَكَانَ بُكَيْرٌ حِينَ بُعِثَ إِلَيْهَا سَارَ حَتَّى إِذَا طَلَعَ بِجِبَالِ جَرْمِيذَانَ طَلَعَ عَلَيْهِمُ اسْفَنْدِيَارُ بْنُ فَرُّخْزَاذَ مَهْزُومًا مِنْ وَاجِ رُوذَ، فَكَانَ أَوَّلَ قِتَالٍ لَقِيَهُ بِأَذْرَبِيجَانَ، فَاقْتَتَلُوا، فَهُزِمَ الْفُرْسُ وَأَخَذَ بُكَيْرٌ اسْفَنْدِيَارَ أَسِيرًا. فَقَالَ لَهُ اسْفَنْدِيَارُ: الصُّلْحُ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمِ الْحَرْبُ؟ قَالَ: بَلِ الصُّلْحُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>