وَالْعَقْلِ أَنْ يُعِينَهُمْ عَلَى ذِي الْحَسَبِ، وَلَسْتُ مِنَ الْقَبْجِ وَلَا الْأَرْمَنِ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّكُمْ قَدْ غَلَبْتُمْ عَلَى بِلَادِي وَأُمَّتِي، فَأَنَا مِنْكُمْ وَيَدِي مَعَ أَيْدِيكُمْ، وَجِزْيَتِي إِلَيْكُمْ وَالنَّصْرُ لَكُمْ، وَالْقِيَامُ بِمَا تُحِبُّونَ، فَلَا تَسُومُونَنَا الْجِزْيَةَ فَتُوَهِّنُونَا بِعَدُوِّكُمْ.
قَالَ: فَسَيَّرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِلَى سُرَاقَةَ، فَلَقِيَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَقَبِلَ مِنْهُ سُرَاقَةُ ذَلِكَ، وَقَالَ: لَا بُدَّ مِنَ الْجِزْيَةِ مِمَّنْ يُقِيمُ وَلَا يُحَارِبُ الْعَدُوَّ. فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ. وَكَتَبَ سُرَاقَةُ فِي ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ فَأَجَازَهُ عُمَرُ وَاسْتَحْسَنَهُ.
ذكر فَتْحِ مُوقَانَ
لَمَّا فَرَغَ سُرَاقَةُ مِنَ الْبَابِ أَرْسَلَ بُكَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَحَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ، وَحُذَيْفَةَ بْنَ أَسِيدٍ، وَسَلْمَانَ بْنَ رَبِيعَةَ إِلَى أَهْلِ تِلْكَ الْجِبَالِ الْمُحِيطَةِ بِأَرْمِينِيَّةَ، فَوَجَّهَ بُكَيْرًا إِلَى مُوقَانَ، وَحَبِيبًا إِلَى تَفْلِيسَ، وَحُذَيْفَةَ إِلَى جِبَالِ اللَّانِ، وَسَلْمَانَ إِلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ. وَكَتَبَ سُرَاقَةُ بِالْفَتْحِ إِلَى عُمَرَ، وَبِإِرْسَالِ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ إِلَى الْجِهَاتِ الْمَذْكُورَةِ، فَأَتَى عُمَرَ أَمْرٌ لَمْ يَظُنَّ أَنْ يَتِمَّ لَهُ بِغَيْرِ مَؤُونَةٍ ; لِأَنَّهُ فَرْجٌ عَظِيمٌ وَجُنْدٌ عَظِيمٌ، فَلَمَّا اسْتَوْسَقُوا وَاسْتَحْلَوُا الْإِسْلَامَ وَعَدْلَهُ مَاتَ سُرَاقَةُ، وَاسْتَخْلَفَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ رَبِيعَةَ. وَلَمْ يَفْتَتِحْ أَحَدٌ مِنْ أُولَئِكَ الْقُوَّادِ إِلَّا بُكَيْرٌ، فَإِنَّهُ فَضَّ أَهْلَ مُوقَانَ، ثُمَّ تَرَاجَعُوا عَلَى الْجِزْيَةِ، عَنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارٌ.
وَكَانَ فَتْحُهَا سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ. وَلَمَّا بَلَّغَ عُمَرَ مَوْتُ سُرَاقَةَ وَاسْتِخْلَافُهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ رَبِيعَةَ أَقَرَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَلَى فَرْجِ الْبَابِ وَأَمَرَهُ بِغَزْوِ التُّرْكِ.
(أَسِيدٌ فِي هَذِهِ التَّرَاجِمِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ السِّينِ. وَالنُّورُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالرَّاءِ) .
ذكر غَزْوِ التُّرْكِ
لَمَّا أُمِرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَبِيعَةَ بِغَزْوِ التُّرْكِ خَرَجَ بِالنَّاسِ حَتَّى قَطَعَ الْبَابَ. فَقَالَ لَهُ شَهْرَيَارُ: مَا تُرِيدُ أَنْ تَصْنَعَ؟ قَالَ: أُرِيدُ غَزْوَ بَلَنْجَرَ وَالتُّرْكِ. قَالَ: إِنَّا لَنَرْضَى مِنْهُمْ أَنْ يَدَعُونَا مِنْ دُونِ الْبَابِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَكِنَّا لَا نَرْضَى حَتَّى نَغْزُوَهُمْ فِي دِيَارِهِمْ، وَبِاللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute