إِنَّ مَعَنَا أَقْوَامًا لَوْ يَأْذَنُ لَهُمْ أَمِيرُنَا فِي الْإِمْعَانِ لَبَلَغْتُ بِهِمُ الرُّومَ. قَالَ: وَمَا هُمْ؟ قَالَ: أَقْوَامٌ صَحِبُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَدَخَلُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ بِنِيَّةٍ، وَلَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ لَهُمْ دَائِمًا وَلَا يَزَالُ النَّصْرُ مَعَهُمْ حَتَّى يُغَيِّرَهُمْ مَنْ يَغْلِبُهُمْ، وَحَتَّى يُلْفَتُوا عَنْ حَالِهِمْ. فَغَزَا بَلَنْجَرَ غَزَاةً فِي زَمَنِ عُمَرَ فَقَالُوا: مَا اجْتَرَأَ عَلَيْنَا إِلَّا وَمَعَهُ الْمَلَائِكَةُ تَمْنَعُهُمْ مِنَ الْمَوْتِ، فَهَرَبُوا مِنْهُ وَتَحَصَّنُوا، فَرَجَعَ بِالْغَنِيمَةِ وَالظَّفَرِ، وَقَدْ بَلَغَتْ خَيْلُهُ الْبَيْضَاءَ عَلَى رَأْسِ مِائَتَيْ فَرْسَخٍ مِنْ بَلَنْجَرَ، وَعَادُوا وَلَمْ يُقْتَلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ.
ثُمَّ غَزَاهُمْ أَيَّامَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ غَزَوَاتٍ، فَظَفِرَ كَمَا كَانَ يَظْفَرُ، حَتَّى تَبَدَّلَ أَهْلُ الْكُوفَةِ لِاسْتِعْمَالِ عُثْمَانَ مَنْ كَانَ ارْتَدَّ اسْتِصْلَاحًا لَهُمْ فَزَادَهُمْ فَسَادًا، فَغَزَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَبِيعَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَتَذَامَرَتِ التُّرْكُ، وَاجْتَمَعُوا فِي الْغِيَاضِ، فَرَمَى رَجُلٌ مِنْهُمْ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى غِرَّةٍ فَقَتَلَهُ، وَهَرَبَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، فَخَرَجُوا عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ، فَاقْتَتَلُوا وَاشْتَدَّ قِتَالُهُمْ، وَنَادَى مُنَادٍ مِنَ الْجَوِّ: صَبْرًا عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَمَوْعِدُكُمُ الْجَنَّةُ! فَقَاتَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَتَّى قُتِلَ، وَانْكَشَفَ أَصْحَابُهُ، وَأَخَذَ الرَّايَةَ سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ أَخُوهُ فَقَاتَلَ بِهَا، وَنَادَى مُنَادٍ مِنَ الْجَوِّ: صَبْرًا آلَ سَلْمَانَ! فَقَالَ سَلْمَانُ: أَوَتَرَى جَزَعًا؟ وَخَرَجَ سَلْمَانُ بِالنَّاسِ مَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيُّ عَلَى جِيلَانَ، فَقَطَعُوهَا إِلَى جُرْجَانَ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ ذَلِكَ مِنْ إِنْجَاءِ جَسَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَهُمْ يَسْتَسْقُونَ بِهِ إِلَى الْآنَ.
ذكر تَعْدِيلِ الْفُتُوحِ بَيْنَ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَدَّلَ عُمَرُ فُتُوحَ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ بَيْنَهُمْ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ سُرَاقَةَ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَذْكُرُ لَهُ كَثْرَةَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَعَجْزَ خَرَاجِهِمْ عَنْهُمْ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَزِيدَهُمْ أَحَدَ الْمَاهَيْنِ أَوْ مَاسَبَذَانَ، وَبَلَغَ أَهْلَ الْكُوفَةِ ذَلِكَ، وَقَالُوا لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَكَانَ عَلَى الْكُوفَةِ أَمِيرًا سَنَةً وَبَعْضَ أُخْرَى: اكْتُبْ إِلَى عُمَرَ أَنَّ رَامَهُرْمُزَ وَإِيذَجَ لَنَا دُونَهُمْ لَمْ يُعِينُونَا عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَلْحَقُونَا حَتَّى افْتَتَحْنَاهُمَا، فَلَمْ يَفْعَلْ عَمَّارٌ، فَقَالَ لَهُ عُطَارِدٌ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الْأَجْدَعُ فَعَلَامَ تَدَعُ فَيْئَنَا؟ فَقَالَ: لَقَدْ سَبَبْتَ أَحَبَّ أُذُنَيَّ إِلَيَّ! فَأَبْغَضُوهُ لِذَلِكَ. وَاخْتَصَمَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ، وَادَّعَى أَهْلُ الْبَصْرَةِ قُرًى افْتَتَحَهَا أَبُو مُوسَى دُونَ أَصْبَهَانَ، أَيَّامَ أَمَدَّ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَهْلَ الْكُوفَةِ. فَقَالَ لَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute