أَهْلُ الْكُوفَةِ: أَتَيْتُمُونَا مَدَدًا، وَقَدِ افْتَتَحْنَا الْبِلَادَ فَأَنْشَبْنَاكُمْ فِي الْمَغَانِمِ، وَالذِّمَّةُ ذِمَّتُنَا وَالْأَرْضُ أَرْضُنَا. فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقُوا. فَقَالَ أَهْلُ الْأَيَّامِ وَالْقَادِسِيَّةِ مِمَّنْ سَكَنَ الْبَصْرَةَ: فَلْتُعْطُونَا نَصِيبَنَا مِمَّا نَحْنُ شُرَكَاؤُكُمْ فِيهِ مِنْ سَوَادِهِمْ وَحَوَاشِيهِمْ. فَأَعْطَاهُمْ عُمَرُ مِائَةَ دِينَارٍ بِرِضَا أَهْلِ الْكُوفَةِ، أَخَذَهَا مَنْ شَهِدَ الْأَيَّامَ وَالْقَادِسِيَّةَ.
وَلَمَّا وَلِيَ مُعَاوِيَةُ، وَكَانَ هُوَ الَّذِي جَنَّدَ قِنَّسْرِينَ مِمَّنْ أَتَاهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقَيْنِ أَيَّامَ عَلِيٍّ، وَإِنَّمَا كَانَ قِنَّسْرِينُ رُسْتَاقًا مِنْ رَسَاتِيقِ حِمْصَ، فَأَخَذَ لَهُمْ مُعَاوِيَةُ حِينَ وَلِيَ نَصِيبَهُمْ مِنْ فُتُوحِ الْعِرَاقِ وَأَذْرَبِيجَانَ وَالْمَوْصِلِ وَالْبَابِ، لِأَنَّهُ مِنْ فُتُوحِ أَهْلِ الْكُوفَةِ. وَكَانَ أَهْلُ الْجَزِيرَةِ وَالْمَوْصِلِ يَوْمَئِذٍ نَاقِلَةً، انْتَقَلَ إِلَيْهَا كُلُّ مَنْ نَزَلَ بِهِجْرَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدَيْنِ أَيَّامَ عَلِيٍّ، فَأَعْطَاهُمْ مُعَاوِيَةُ مِنْ ذَلِكَ نَصِيبًا.
وَكَفَرَ أَهْلُ أَرْمِينِيَّةَ أَيَّامَ مُعَاوِيَةَ، وَقَدْ أَمَّرَ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ عَلَى الْبَابِ، وَحَبِيبٌ يَوْمَئِذٍ بِجُرْزَانَ، وَكَاتَبَ أَهْلَ تَفْلِيسَ وَتِلْكَ الْجِبَالِ مَنْ جُرْزَانَ فَاسْتَجَابُوا لَهُ.
ذكر عَزْلِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عَنِ الْكُوفَةِ وَوِلَايَةِ أَبِي مُوسَى وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ
وَفِيهَا عَزَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ عَنِ الْكُوفَةِ، وَاسْتَعْمَلَ أَبَا مُوسَى. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ شَكَوْهُ وَقَالُوا لَهُ: إِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ مَا هُوَ فِيهِ وَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَمِينٍ، وَنَزَا بِهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ. فَدَعَاهُ عُمَرُ، فَخَرَجَ مَعَهُ وَفْدٌ يُرِيدُ أَنَّهُمْ مَعَهُ، فَكَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهِ مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، وَقَالُوا: إِنَّهُ غَيْرُ كَافٍ وَعَالِمٍ بِالسِّيَاسَةِ، وَلَا يَدْرِي عَلَى مَا اسْتَعْمَلْتَهُ. وَكَانَ مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ - عَمُّ الْمُخْتَارِ -، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَسَعَيَا بِهِ، فَعَزَلَهُ عُمَرُ. وَقَالَ عُمَرُ لِعَمَّارٍ: أَسَاءَكَ الْعَزْلُ؟ قَالَ: مَا سَرَّنِي حِينَ اسْتُعْمِلْتُ وَلَقَدْ سَاءَنِي حِينَ عُزِلْتُ. فَقَالَ لَهُ: قَدْ عَلِمْتُ مَا أَنْتَ بِصَاحِبِ عَمَلٍ، وَلَكِنِّي تَأَوَّلْتُ: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: ٥] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute