الْحَسَنُ: قَالَ عُمَرُ: لَئِنْ عِشْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَأَسِيرَنَّ فِي الرَّعِيَّةِ حَوْلًا، فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ لِلنَّاسِ حَوَائِجَ تُقْطَعُ دُونِي، أَمَّا عُمَّالُهُمْ فَلَا يَرْفَعُونَهَا إِلَيَّ، وَأَمَّا هُمْ فَلَا يَصِلُونَ إِلَيَّ، فَأَسِيرُ إِلَى الشَّامِ فَأُقِيمُ شَهْرَيْنِ، وَبِالْجَزِيرَةِ شَهْرَيْنِ، وَبِمِصْرَ شَهْرَيْنِ، وَبِالْبَحْرَيْنِ شَهْرَيْنِ، وَبِالْكُوفَةِ شَهْرَيْنِ، وَبِالْبَصْرَةِ شَهْرَيْنِ، وَاللَّهِ لَنِعْمَ الْحَوْلُ هَذَا! وَقِيلَ لِعُمَرَ: إِنَّ هَاهُنَا رَجُلًا مِنَ الْأَنْبَارِ لَهُ بَصَرٌ بِالدِّيوَانِ لَوِ اتَّخَذْتَهُ كَاتِبًا. فَقَالَ: لَقَدِ اتَّخَذْتُ إِذَنْ بِطَانَةً مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ.
قِيلَ: خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَقِّ لَوْ أَنَّ جَمَلًا هَلَكَ ضَيَاعًا بِشَطِّ الْفُرَاتِ لَخَشِيتُ أَنْ يَسْأَلَنِي اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَالَ أَبُو فِرَاسٍ: خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي مَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ عُمَّالًا لِيَضْرِبُوا أَبْشَارَكُمْ وَلَا لِيَأْخُذُوا أَمْوَالَكُمْ، وَإِنَّمَا أُرْسِلُهُمْ إِلَيْكُمْ لِيُعَلِّمُوكُمْ دِينَكُمْ وَسُنَّتَكُمْ، فَمَنْ فُعِلَ بِهِ شَيْءٌ سِوَى ذَلِكَ فَلْيَرْفَعْهُ إِلَيَّ، فَوَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ لَأُقِصَّنَّهُ مِنْهُ. فَوَثَبَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَرَأَيْتَكَ إِنْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ [أُمَرَاءِ] الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَعِيَّةٍ، فَأَدَّبَ بَعْضَ رَعِيَّتِهِ إِنَّكَ لَتُقِصُّهُ مِنْهُ؟ قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ إِذَنْ لَأُقِصَّنَّهُ مِنْهُ، وَكَيْفَ لَا أُقِصُّهُ مِنْهُ وَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقِصُّ مِنْ نَفْسِهِ! أَلَا لَا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ فَتُذِلُّوهُمْ، وَلَا تَحْمَدُوهُمْ فَتَفْتِنُوهُمْ، وَلَا تَمْنَعُوهُمْ حُقُوقَهُمْ فَتُكَفِّرُوهُمْ، وَلَا تُنْزِلُوهُمُ الْغِيَاضَ فَتُضَيِّعُوهُمْ.
قَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ لَيْلًا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا جَاءَ بِكَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ؟ قَالَ: رُفْقَةٌ نَزَلَتْ فِي نَاحِيَةِ السُّوقِ خَشِيتُ عَلَيْهِمْ سُرَّاقَ الْمَدِينَةِ، فَانْطَلِقْ فَلْنَحْرُسْهُمْ. فَأَتَيَا السُّوقَ فَقَعَدَا عَلَى نَشَزٍ مِنَ الْأَرْضِ يَتَحَدَّثَانِ، فَرُفِعَ لَهُمَا مِصْبَاحٌ فَقَالَ عُمَرُ: أَلَمْ أَنْهَ عَنِ الْمَصَابِيحِ بَعْدَ النَّوْمِ؟ فَانْطَلَقَا فَإِذَا قَوْمٌ عَلَى شَرَابٍ لَهُمْ. قَالَ: انْطَلِقْ فَقَدْ عَرَفْتُهُ. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ قَالَ: يَا فُلَانُ كُنْتَ وَأَصْحَابُكَ الْبَارِحَةَ عَلَى شَرَابٍ! قَالَ: وَمَا أَعْلَمَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: شَيْءٌ شَهِدْتُهُ. قَالَ: أَوَلَمْ يَنْهَكَ اللَّهُ عَنِ التَّجَسُّسِ؟ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ.
وَإِنَّمَا نَهَى عُمَرُ عَنِ الْمَصَابِيحِ لِأَنَّ الْفَأْرَةَ تَأْخُذُ الْفَتِيلَةَ فَتَرْمِي بِهَا فِي سَقْفِ الْبَيْتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute