للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَخَلَ فَحْلٌ عَبْقَرِيٌّ يَجُرُّ خِطَامَهُ، وَمَضَى قَصْدَ الْأَوَّلَيْنِ، ثُمَّ دَخَلَ بَعِيرٌ رَابِعٌ فَرَتَعَ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَا وَاللَّهِ لَا أَكُونُ الرَّابِعَ وَلَا يَقُومُ مَقَامَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بَعْدَهُمَا أَحَدٌ فَيَرْضَى النَّاسُ عَنْهُ.

قَالَ: وَأَرْسَلَ الْمِسْوَرَ فَاسْتَدْعَى عَلِيًّا، فَنَاجَاهُ طَوِيلًا وَهُوَ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ صَاحِبُ الْأَمْرِ، ثُمَّ نَهَضَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى عُثْمَانَ فَتَنَاجَيَا حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الصُّبْحُ.

قَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: مَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا كَلَّمَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ، فَقَدْ قَالَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَوَقَعَ قَضَاءُ رَبِّكَ عَلَى عُثْمَانَ. فَلَمَّا صَلَّوُا الصُّبْحَ جَمَعَ الرَّهْطَ، وَبَعَثَ إِلَى مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَأَهْلِ السَّابِقَةِ وَالْفَضْلِ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَإِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فَاجْتَمَعُوا حَتَّى الْتَجَّ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَجْمَعُوا أَنْ يَرْجِعَ أَهْلُ الْأَمْصَارِ إِلَى أَمْصَارِهِمْ، فَأَشِيرُوا عَلَيَّ. فَقَالَ عَمَّارٌ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ الْمُسْلِمُونَ فَبَايِعْ عَلِيًّا. فَقَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ: صَدَقَ عَمَّارٌ، إِنْ بَايَعْتَ عَلِيًّا قُلْنَا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. قَالَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ لَا تَخْتَلِفَ قُرَيْشٌ فَبَايِعْ عُثْمَانَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ: صَدَقْتَ إِنْ بَايَعْتَ عُثْمَانَ قُلْنَا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. فَشَتَمَ عَمَّارٌ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ وَقَالَ: مَتَى كُنْتَ تَنْصَحُ الْمُسْلِمِينَ؟ فَتَكَلَّمَ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو أُمَيَّةَ فَقَالَ عَمَّارٌ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ أَكْرَمَنَا بِنَبِيِّهِ وَأَعَزَّنَا بِدِينِهِ فَأَنَّى تَصْرِفُونَ هَذَا الْأَمْرَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: لَقَدْ عَدَوْتَ طَوْرَكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ، وَمَا أَنْتَ وَتَأْمِيرُ قُرَيْشٍ لِأَنْفُسِهَا! فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، افْرُغْ قَبْلَ أَنْ يُفْتَنَ النَّاسُ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ وَشَاوَرْتُ، فَلَا تَجْعَلُنَّ أَيُّهَا الرَّهْطُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ سَبِيلًا، وَدَعَا عَلِيًّا وَقَالَ: عَلَيْكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ لَتَعْمَلَنَّ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَسِيرَةِ الْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ. قَالَ: أَرْجُو أَنْ أَفْعَلَ فَأَعْمَلَ بِمَبْلَغِ عِلْمِي وَطَاقَتِي، وَدَعَا عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِعَلِيٍّ، فَقَالَ: نَعَمْ نَعْمَلُ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى سَقْفِ الْمَسْجِدِ وَيَدُهُ فِي يَدِ عُثْمَانَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْمَعْ وَاشْهَدْ. اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ جَعَلْتُ مَا فِي رَقَبَتِي مِنْ ذَلِكَ فِي رَقَبَةِ عُثْمَانَ، فَبَايَعَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>