للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ هَذَا أَوَّلَ يَوْمٍ تَظَاهَرْتُمْ فِيهِ عَلَيْنَا، {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: ١٨] ، وَاللَّهِ مَا وَلَّيْتَ عُثْمَانَ إِلَّا لِيُرَدَّ الْأَمْرُ إِلَيْكَ، وَاللَّهُ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْنٍ! فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: يَا عَلِيُّ، لَا تَجْعَلْ عَلَى نَفْسِكَ حُجَّةً وَسَبِيلًا. فَخَرَجَ عَلِيٌّ وَهُوَ يَقُولُ: سَيَبْلُغُ الْكِتَابُ أَجَلَهُ. فَقَالَ الْمِقْدَادُ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ تَرَكْتَهُ وَإِنَّهُ مِنَ الَّذِينَ يَقْضُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ. فَقَالَ: يَا مِقْدَادُ، وَاللَّهِ لَقَدِ اجْتَهَدْتُ لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَ: إِنْ كُنْتَ أَرَدْتَ اللَّهَ فَأَثَابَكَ اللَّهُ ثَوَابَ الْمُحْسِنِينَ. فَقَالَ الْمِقْدَادُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا أَتَى إِلَى أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ، إِنِّي لَأَعْجَبُ مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّهُمْ تَرَكُوا رَجُلًا مَا أَقُولُ وَلَا أَعْلَمُ أَنَّ رَجُلًا أَقْضَى بِالْعَدْلِ وَلَا أَعْلَمَ مِنْهُ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَجِدُ أَعْوَانًا عَلَيْهِ! فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: يَا مِقْدَادُ اتَّقِ اللَّهَ فَإِنِّي خَائِفٌ عَلَيْكَ الْفِتْنَةَ. فَقَالَ رَجُلٌ لِلْمِقْدَادِ: رَحِمَكَ اللَّهُ، مَنْ أَهْلُ هَذَا الْبَيْتِ وَمَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ قَالَ: أَهْلُ الْبَيْتِ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَالرَّجُلُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ إِلَى قُرَيْشٍ وَقُرَيْشٌ تَنْظُرُ بَيْنَهَا فَتَقُولُ: إِنْ وَلِيَ عَلَيْكُمْ بَنُو هَاشِمٍ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهُمْ أَبَدًا، وَمَا كَانَتْ فِي غَيْرِهِمْ تَدَاوَلْتُمُوهَا بَيْنَكُمْ.

وَقَدِمَ طَلْحَةُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي بُويِعَ فِيهِ لِعُثْمَانَ فَقِيلَ لَهُ: بَايَعُوا لِعُثْمَانَ. فَقَالَ: كُلُّ قُرَيْشٍ رَاضٍ بِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَأَتَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: أَنْتَ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكَ وَإِنْ أَبَيْتَ رَدَدْتُهَا. قَالَ: أَتَرُدُّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَكُلُّ النَّاسِ بَايَعُوكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قَدْ رَضِيتُ لَا أَرْغَبُ عَمَّا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ. وَبَايَعَهُ.

وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَدْ أَصَبْتَ أَنْ بَايَعْتَ عُثْمَانَ. وَقَالَ لِعُثْمَانَ: وَلَوْ بَايَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ غَيْرَكَ مَا رَضِينَا. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: كَذَبْتَ يَا أَعْوَرُ، لَوْ بَايَعْتُ غَيْرَهُ لَبَايَعْتَهُ، وَلَقُلْتَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ. قَالَ: وَكَانَ الْمِسْوَرُ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا بَذَّ قَوْمًا فِيمَا دَخَلُوا فِيهِ بِمِثْلِ مَا بَذَّهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ.

قُلْتُ: قَوْلُهُ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ صِهْرُ عُثْمَانَ، يَعْنِي: عَبْدُ الرَّحْمَنِ تَزَوَّجَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَهِيَ أُخْتُ عُثْمَانَ لِأُمِّهِ، خَلَفَ عَلَيْهَا عُقْبَةُ بَعْدَ عُثْمَانَ.

وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ رِوَايَةً أُخْرَى فِي الشُّورَى عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَهِيَ تَمَامُ

<<  <  ج: ص:  >  >>