عَبْدُ اللَّهِ فِي عَمَلِهِ. فَخَرَجُوا حَتَّى قَطَعُوا أَرْضَ مِصْرَ وَوَطِئُوا أَرْضَ إِفْرِيقِيَّةَ، وَكَانُوا فِي جَيْشٍ كَثِيرٍ عُدَّتُهُمْ آلَافٌ مِنْ شُجْعَانِ الْمُسْلِمِينَ، فَصَالَحَهُمْ أَهْلُهَا عَلَى مَالٍ يُؤَدُّونَهُ وَلَمْ يُقْدِمُوا عَلَى دُخُولِ إِفْرِيقِيَّةَ وَالتَّوَغُّلِ فِيهَا لِكَثْرَةِ أَهْلِهَا.
ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ لَمَّا وُلِّيَ أَرْسَلَ إِلَى عُثْمَانَ فِي غَزْوِ إِفْرِيقِيَّةَ، وَالِاسْتِكْثَارِ مِنَ الْجُمُوعِ عَلَيْهَا وَفَتْحِهَا، فَاسْتَشَارَ عُثْمَانُ مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَأَشَارَ أَكْثَرُهُمْ بِذَلِكَ، فَجَهَّزَ إِلَيْهِ الْعَسَاكِرَ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَفِيهِمْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، فَسَارَ بِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ. فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى بَرْقَةَ لَقِيَهُمْ عُقْبَةُ بْنُ نَافِعٍ فِيمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانُوا بِهَا، وَسَارُوا إِلَى طَرَابُلُسَ الْغَرْبِ فَنَهَبُوا مَنْ عِنْدَهَا مِنَ الرُّومِ. وَسَارَ نَحْوَ إِفْرِيقِيَّةَ وَبَثَّ السَّرَايَا فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَكَانَ مَلِكُهُمُ اسْمُهُ جُرْجِيرُ، وَمُلْكُهُ مِنْ طَرَابُلُسَ إِلَى طَنْجَةَ، وَكَانَ هِرَقْلُ مَلِكُ الرُّومِ قَدْ وَلَّاهُ إِفْرِيقِيَّةَ، فَهُوَ يَحْمِلُ إِلَيْهِ الْخَرَاجَ كُلَّ سَنَةٍ. فَلَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ الْمُسْلِمِينَ تَجَهَّزَ وَجَمَعَ الْعَسَاكِرَ وَأَهْلَ الْبِلَادِ، فَبَلَغَ عَسْكَرُهُ مِائَةَ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَالْتَقَى هُوَ وَالْمُسْلِمُونَ بِمَكَانٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَدِينَةِ سُبَيْطِلَةَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَهَذِهِ الْمَدِينَةُ كَانَتْ ذَلِكَ الْوَقْتَ دَارَ الْمُلْكِ، فَأَقَامُوا هُنَاكَ يَقْتَتِلُونَ كُلَّ يَوْمٍ، وَرَاسَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ أَوِ الْجِزْيَةِ، فَامْتَنَعَ مِنْهُمَا وَتَكَبَّرَ عَنْ قَبُولِ أَحَدِهِمَا.
وَانْقَطَعَ خَبَرُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ عُثْمَانَ، فَسَيَّرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فِي جَمَاعَةٍ إِلَيْهِمْ لِيَأْتِيَهُ بِأَخْبَارِهِمْ، فَسَارَ مُجِدًّا وَوَصَلَ إِلَيْهِمْ وَأَقَامَ مَعَهُمْ، وَلَمَّا وَصَلَ كَثُرَ الصِّيَاحُ وَالتَّكْبِيرُ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَسَأَلَ جُرْجِيرُ عَنِ الْخَبَرِ فَقِيلَ قَدْ أَتَاهُمْ عَسْكَرٌ، فَفَتَّ ذَلِكَ فِي عَضُدِهِ. وَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ بَكْرَةٍ إِلَى الظُّهْرِ، فَإِذَا أَذَّنَ الظُّهْرُ عَادَ كُلُّ فَرِيقٍ إِلَى خِيَامِهِ، وَشَهِدَ الْقِتَالَ مِنَ الْغَدِ فَلَمْ يَرَ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ مَعَهُمْ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقِيلَ إِنَّهُ سَمِعَ مُنَادِيَ جُرْجِيرَ يَقُولُ: مَنْ قَتَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ فَلَهُ مِائَةُ أَلْفِ دِينَارٍ وَأُزَوِّجُهُ ابْنَتِي، وَهُوَ يَخَافُ، فَحَضَرَ عِنْدَهُ وَقَالَ لَهُ: تَأْمُرُ مُنَادِيًا يُنَادِي: مَنْ أَتَانِي بِرَأْسِ جُرْجِيرَ نَفَّلْتُهُ مِائَةَ أَلْفٍ وَزَوَّجْتُهُ ابْنَتَهُ وَاسْتَعْمَلْتُهُ عَلَى بِلَادِهِ. فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَصَارَ جُرْجِيرُ يَخَافُ أَشَدَّ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ.
ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ: إِنْ أَمْرَنَا يَطُولُ مَعَ هَؤُلَاءِ، وَهُمْ فِي أَمْدَادٍ مُتَّصِلَةٍ وَبِلَادٍ هِيَ لَهُمْ، وَنَحْنُ مُنْقَطِعُونَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ وَبِلَادِهِمْ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ نَتْرُكَ غَدًا جَمَاعَةً صَالِحَةً مِنْ أَبْطَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي خِيَامِهِمْ مُتَأَهِّبِينَ، وَنُقَاتِلُ نَحْنُ الرُّومَ فِي بَاقِي الْعَسْكَرِ إِلَى أَنْ يَضْجَرُوا وَيَمَلُّوا، فَإِذَا رَجَعُوا إِلَى خِيَامِهِمْ وَرَجَعَ الْمُسْلِمُونَ رَكِبَ مَنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute