للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الْخِيَامِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَشْهَدُوا الْقِتَالَ وَهُمْ مُسْتَرِيحُونَ، وَنَقْصِدُهُمْ عَلَى غِرَّةٍ، فَلَعَلَّ اللَّهَ يَنْصُرُنَا عَلَيْهِمْ، فَأَحْضَرَ جَمَاعَةً مِنْ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ وَاسْتَشَارَهُمْ فَوَافَقُوهُ عَلَى ذَلِكَ.

فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ فَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَأَقَامَ جَمِيعُ شُجْعَانِ الْمُسْلِمِينَ فِي خِيَامِهِمْ، وَخُيُولُهُمْ عِنْدَهُمْ مُسْرَجَةٌ، وَمَضَى الْبَاقُونَ فَقَاتَلُوا الرُّومَ إِلَى الظُّهْرِ قِتَالًا شَدِيدًا. فَلَمَّا أُذِّنَ بِالظُّهْرِ هَمَّ الرُّومُ بِالِانْصِرَافِ عَلَى الْعَادَةِ، فَلَمْ يُمَكِّنْهُمُ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَلَحَّ عَلَيْهِمْ بِالْقِتَالِ حَتَّى أَتْعَبَهُمْ، ثُمَّ عَادَ عَنْهُمْ هُوَ وَالْمُسْلِمُونَ، فَكُلٌّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ أَلْقَى سِلَاحَهُ وَوَقَعَ تَعِبًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مَنْ كَانَ مُسْتَرِيحًا مِنْ شُجْعَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَصَدَ الرُّومَ، فَلَمْ يَشْعُرُوا بِهِمْ حَتَّى خَالَطُوهُمْ، وَحَمَلُوا حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَكَبَّرُوا، فَلَمْ يَتَمَكَّنِ الرُّومُ مِنْ لُبْسِ سِلَاحِهِمْ، حَتَّى غَشِيَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَقُتِلَ جُرْجِيرُ، قَتَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَانْهَزَمَ الرُّومُ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، وَأُخِذَتِ ابْنَةُ الْمَلِكِ جُرْجِيرَ سَبِيَّةً. وَنَازَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ الْمَدِينَةَ، فَحَصَرَهَا حَتَّى فَتَحَهَا، وَرَأَى فِيهَا مِنَ الْأَمْوَالِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي غَيْرِهَا، فَكَانَ سَهْمُ الْفَارِسِ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِينَارٍ وَسَهْمُ الرَّاجِلِ أَلْفَ دِينَارٍ.

وَلَمَّا فَتَحَ عَبْدُ اللَّهِ مَدِينَةَ سُبَيْطِلَةَ بَثَّ جُيُوشَهُ فِي الْبِلَادِ فَبَلَغَتْ قَفْصَةَ، فَسَبَوْا وَغَنِمُوا، وَسَيَّرَ عَسْكَرًا إِلَى حِصْنِ الْأَجَمِ، وَقَدِ احْتَمَى بِهِ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ، فَحَصَرَهُ وَفَتَحَهُ بِالْأَمَانِ، فَصَالَحَهُ أَهْلُ إِفْرِيقِيَّةَ عَلَى أَلْفَيْ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَنَفَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ ابْنَةَ الْمَلِكِ، وَأَرْسَلَهُ إِلَى عُثْمَانَ بِالْبِشَارَةِ بِفَتْحِ إِفْرِيقِيَّةَ، وَقِيلَ: إِنَّ ابْنَةَ الْمَلِكِ وَقَعَتْ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَرْكَبَهَا بَعِيرًا وَارْتَجَزَ بِهَا يَقُولُ:

يَا ابْنَةَ جُرْجِيرَ تَمَشَّيْ عُقْبَتِكْ ... إِنَّ عَلَيْكِ بِالْحِجَازِ رَبَّتِكْ

لَتَحْمِلِنَّ مِنْ قَبَاءَ قِرْبَتِكْ

ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ عَادَ مِنْ إِفْرِيقِيَّةَ إِلَى مِصْرَ، وَكَانَ مُقَامُهُ بِإِفْرِيقِيَّةَ سَنَةً وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَلَمْ يَفْقِدْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا ثَلَاثَةَ نَفَرٍ، قُتِلَ مِنْهُمْ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيُّ الشَّاعِرُ فَدُفِنَ هُنَاكَ، وَحُمِلَ خُمُسُ إِفْرِيقِيَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَاشْتَرَاهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ بِخَمْسِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، فَوَضَعَهَا عَنْهُ عُثْمَانُ، وَكَانَ هَذَا مِمَّا أُخِذَ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>